عروش سقطت بالدماء والخيانة: نهايات حكام العرب في زمن الثورات الشعبية
في قلب العالم العربي، كان العديد من الحكام يظنون أنهم سيبقون في السلطة للأبد، محصنين من أي تهديد داخلي أو خارجي.
لكن الثورة الشعبية التي اجتاحت المنطقة بين عامي 2011 و2019 فجرت أوهامهم وأسقطت عروشهم بطرق مأساوية، واحدة تلو الأخرى.
كانت تلك الثورات بمثابة قنبلة موقوتة كشفت عن هشاشة الأنظمة الاستبدادية وأظهرت كم كانت أرواح الشعوب العربية أقوى من أي سلطة قمعية.
في يناير 2011، اندلعت الثورة التونسية، التي كانت الشرارة الأولى التي أشعلت سلسلة من الأحداث المزلزلة في المنطقة.
لم يكن أحد يتوقع أن زين العابدين بن علي، الرئيس الذي حكم تونس لمدة 23 عامًا بقبضة حديدية، سيُجبر على الفرار إلى السعودية تحت ضغط الجماهير الثائرة. احتشد التونسيون في الشوارع مطالبين بإسقاطه بعد أن اتضح فساد نظامه، ليكون أول حاكم عربي يسقط في فخ الثورة.
في لحظة واحدة، تهاوت واحدة من أعتى الدكتاتوريات العربية، ليهرب بن علي إلى السعودية تاركًا تونس غارقة في بحر من الغضب والدماء.
ثم جاء الدور على مصر، التي لم تختلف كثيرًا عن تونس. في فبراير 2011، بعد 30 عامًا من حكمه، اضطر محمد حسني مبارك، الرئيس الذي لطالما كان يفاخر بحكمه الحديدي والرقابة المشددة، إلى التنحي تحت ضغط الشعب المصري.
مليونية “التحرير” التي اجتاحت شوارع القاهرة دفعت به إلى الحافة. كان مبارك في قمة ضعفه، حتى أُجبر على الرحيل عن الحكم بعدما فقد الدعم الشعبي والأمني، ليترك مصر في حالة من الفوضى السياسية بعد أن كان يظن أن حكمه باقٍ إلى الأبد.
أما في ليبيا، فقد كانت القصة أكثر مأساوية ودموية. معمر القذافي، الذي حكم البلاد لمدة 42 عامًا، كان يعتقد أن نظامه سيكون خالداً. في أكتوبر 2011، بعد أشهر من القتال العنيف بين قواته والثوار، تم إسقاطه.
وعندما حاول الهروب، وجد نفسه محاصرًا من قبل الثوار، الذين قادوا هجومًا مباشرًا عليه. في النهاية، انتهت حياة القذافي بطريقة وحشية، حيث قُتل على يد الثوار في مدينة سرت، ليُطوى فصل من الدكتاتورية الليبية بقسوة غير مسبوقة.
وفي اليمن، كانت النهاية أكثر مأساوية. علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد لمدة 33 عامًا، اكتشف هو الآخر أن نظامه لم يعد قادرًا على البقاء. في ديسمبر 2017، بينما كان يتصارع مع الحوثيين الذين كانوا يزدادون قوة، لقي صالح حتفه على يدهم في حادثة غير متوقعة بعد أن قام بتغيير تحالفاته. تلك الحادثة كانت بمثابة النهاية لسلالة حكم استمرت لعقود، وأكدت أن الطغاة لا يملكون الحماية أمام غضب الشعوب.
أما في الجزائر، فقد كانت ثورة الشعب حاسمة في الإطاحة برئيس آخر. عبد العزيز بوتفليقة، الذي حكم البلاد منذ عام 1999، سقط في أبريل 2019. بعد فترة طويلة من المرض والعزلة، قرر بوتفليقة الترشح لولاية خامسة رغم إدراكه التام أنه أصبح عاجزًا عن ممارسة مهامه.
غير أن الحراك الشعبي الواسع أجبره على الاستقالة، لتشهد الجزائر تحولًا جذريًا في نظام حكمها. احتجاجات الشارع التي استمرت لأشهر أثبتت أن الشعب يمكنه فرض إرادته حتى في وجه أكبر الأنظمة العسكرية.
في السودان، تعرض الرئيس عمر البشير، الذي حكم البلاد لمدة 30 عامًا، إلى نفس المصير في أبريل 2019. بعد سنوات من القمع السياسي والاستبداد، بدأت احتجاجات واسعة تجتاح البلاد في ديسمبر 2018 بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة.
ومع تصاعد الحراك الشعبي، أُجبر البشير على التنحي عن السلطة بعد أن تخلت عنه القوات المسلحة. إلا أن السودان، مثل غيره من الدول العربية، دخل في مرحلة من الفوضى السياسية التي تلت سقوط طاغيته.
وأخيرًا، في سوريا، وفي ديسمبر 2024، يتوقع أن يتم إسقاط بشار الأسد الذي حكم البلاد بقبضة من حديد منذ عام 2000. رغم محاولاته البقاء في السلطة خلال سنوات الحرب الأهلية التي دمرت البلاد، إلا أن المعارضة السورية أصبحت اليوم أقوى وأكثر تأثيرًا.
إذا استمرت موجات الضغط الشعبي والميداني، فإن الأسد قد يجد نفسه مضطراً للهرب من سوريا. الخيارات أمامه ستكون ضيقة، فقد يضطر إلى اللجوء إلى موسكو أو أي وجهة أخرى ليست في يد النظام السوري. لن تكون تلك النهاية سوى نتيجة حتمية لانهيار حكومة لم تعد قادرة على السيطرة على الأرض.
إنه تاريخ مشؤوم، مليء بالمفارقات المأساوية. هؤلاء الحكام الذين بنوا إمبراطوريات من القوة والسلطة على حساب دماء شعوبهم، تفاجؤوا جميعهم في النهاية بأن الشعوب أقوى من أي دكتاتورية.
من تونس إلى مصر، ومن ليبيا إلى اليمن، الجزائر والسودان، وصولاً إلى سوريا، كان الطغاة يظنون أن السلطة بيدهم إلى الأبد، لكنهم نسوا أن الشعوب لا تنسى، وأن الحرية لا تقبل القمع، وأن النهاية الحتمية لأي حكم مستبد تكون سقوطًا مدويًا.