في مشهد يعكس فشلًا حكوميًا واضحًا وفسادًا لا حدود له، عادت مصر لاستيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي بمعدل يصل إلى 970 مليون قدم مكعبة يوميًا، مما يفضح العجز والتدهور الكبير في إدارة موارد البلاد.
هذه الزيادة بنسبة 8% خلال الأسبوع الأول من ديسمبر الحالي جاءت بعد انخفاضٍ سابقٍ في الواردات، وهو ما يُظهر أن الحكومة المصرية لم تتمكن من توفير الطاقة محليًا واضطرت إلى التبعية المستمرة لمصادر خارجية، بل وخلقت أزمة أعمق بسبب الفساد المستمر وسوء التخطيط.
التقارير التي كشفت هذه الأرقام أكدت أن واردات مصر من الغاز الإسرائيلي تراوحت بين 900 مليون قدم مكعبة يوميًا في نهاية نوفمبر، بعد تراجعها الكبير في نفس الشهر إلى 800 مليون قدم مكعبة.
الأدهى من ذلك أن تدفقات الغاز توقفت تمامًا لمدة يومين في بداية نوفمبر، مما أشار إلى أزمة كانت على وشك الانفجار، إلا أن الحكومة اختارت الصمت ولم تتخذ أي خطوات جادة لمعالجة الخلل، الأمر الذي يؤكد سوء الإدارة ويثير الشكوك حول نوايا الحكومة الحقيقية في معالجة الأزمة الطاقوية.
بينما يتراجع الإنتاج المحلي للغاز بنسبة تتراوح بين 20% و25% على مدار العامين الماضيين، تُبرر الحكومة هذا التراجع بإلقاء اللوم على عوامل خارجية، متجاهلة الفشل الصارخ في سياساتها الطاقوية.
فبدلًا من معالجة النقص عن طريق الاستثمار الجاد في الإنتاج المحلي أو تطوير البنية التحتية للطاقة، لجأت الحكومة إلى استيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي في خطوة تكشف بوضوح عن عجزها عن حل مشكلات البلاد الاقتصادية أو حتى الحفاظ على مواردها الطبيعية. تراجع الإنتاج المحلي بهذا الشكل الحاد يُعد فضيحة كبرى تكشف تقاعس الحكومة عن مسؤولياتها.
في إبريل الماضي، اتخذت الحكومة قرارًا مفاجئًا بوقف تصدير الغاز الطبيعي المسال للخارج، بحجة تلبية احتياجات محطات الكهرباء المحلية خلال فصل الصيف، وسط ارتفاع استهلاك الوقود.
هذا القرار لم يكن إلا دليلًا آخر على فشل الحكومة في إدارة موارد الطاقة، حيث أدى التوقف عن التصدير إلى تفاقم الأزمة بدلًا من حلها.
في خطوة تعكس مدى العجز الحكومي، لجأت السلطات مرة أخرى للاستيراد، هذه المرة من خلال طرح مناقصة لشراء 17 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، وهي خطوة تكشف الضعف في التخطيط والاستراتيجية الحكومية.
هذا التخبط في السياسات الطاقوية لم يكن وليد اللحظة. الأزمات المتتالية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا في قطاع الغاز الطبيعي، كشفت حجم الفساد وسوء الإدارة الذي يسيطر على مؤسسات الدولة.
فبدلًا من تحسين كفاءة الإنتاج أو تعزيز استثمارات الطاقة المحلية، استمرت الحكومة في اتباع سياسات سطحية وغير فعالة، ما أدى إلى اعتماد أكبر على الغاز المستورد من الخارج. هذا الاعتماد على الغاز الإسرائيلي يُظهر بوضوح مدى التفريط في السيادة الوطنية.
المفاجأة كانت في كيفية تعامل الحكومة مع هذا الوضع الحرج. بدلاً من العمل على تعزيز الاستثمارات المحلية في قطاع الطاقة أو تحسين إنتاج الغاز، اختارت الحل الأسهل والأكثر ضررًا: الاستيراد من الخارج.
هذا الاستيراد المستمر يزيد من الأعباء المالية على الاقتصاد المصري، في وقت يعاني فيه المواطنون من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتضخم الذي يضغط على حياتهم اليومية.
وبالتالي، باتت الحكومة تضيف عبئًا إضافيًا على كاهل المصريين من خلال تكبد تكاليف استيراد الغاز بأسعار مرتفعة، بدلاً من البحث عن حلول طويلة الأمد لتحسين الإنتاج المحلي.
وبينما تدعي الحكومة أنها تعمل على تلبية احتياجات محطات الكهرباء، فإن هذا المبرر يخفي خلفه واقعًا أكثر قتامة: الفشل في تطوير قدرات إنتاجية كافية محليًا وعدم القدرة على تحقيق أي تقدم في قطاع الطاقة.
أزمة الكهرباء التي تفاقمت خلال فصل الصيف نتيجة فشل محطات الكهرباء في الحصول على الكميات اللازمة من الوقود هي دليل صارخ على التقصير الحكومي. الحكومة التي كانت تدعي أنها قادرة على إدارة مواردها فشلت في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، مما أدى إلى انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، أضرت بحياة المواطنين وأثرت سلبًا على الاقتصاد.
الأمر الأكثر إثارة للسخط هو أن هذا الفشل المستمر يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة. الحكومة التي تدعي أنها تتخذ خطوات لتحسين الأوضاع الاقتصادية، تجد نفسها في مواجهة أزمات طاحنة نتيجة الفساد المستشري وسوء التخطيط.
وعلى الرغم من الحديث المتكرر عن خطط إصلاح اقتصادي، فإن الحقيقة أن مصر تعاني من عجز هائل في إدارة مواردها الطبيعية، سواء كان ذلك في قطاع الطاقة أو غيره من القطاعات الحيوية.
هذه الأزمة ليست مجرد نتيجة لأحداث طارئة، بل هي نتيجة سنوات من الفساد وسوء الإدارة التي أغرقت البلاد في مستنقع من الأزمات المتتالية.
الاعتماد المستمر على الغاز المستورد، واللجوء إلى الاحتلال الإسرائيلي لتلبية الاحتياجات الطاقوية، يظهران مدى التدهور الذي وصلت إليه الحكومة في التعامل مع أزمات البلاد.
هذا الوضع لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدهور ما لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية لمعالجة المشكلات الطاقوية والاقتصادية من جذورها.
حيث يظهر بوضوح أن الحكومة المصرية، بدلاً من العمل على حل الأزمات الطاقوية، تواصل السير في طريق الفشل والتبعية للخارج.
الاعتماد المتزايد على الغاز الإسرائيلي وتجاهل الإنتاج المحلي يشكلان تهديدًا كبيرًا لمستقبل البلاد الطاقوي والاقتصادي، ويكشفان فسادًا إداريًا مستمرًا يفاقم الأزمات بدلاً من حلها. إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات حقيقية لمعالجة هذه الكارثة الطاقوية، فإن مصر ستبقى رهينة للفشل والفساد.