صفقات مشبوهة وفساد مدمر في قطاع الكهرباء المصري بـ 17 مليار دولار و3.5 مليون سنويًا
يستمر انهيار قطاع الكهرباء في مصر، وهو القطاع الحيوي الذي أصبح يعاني من تخبطات مدمرة تُهدد مستقبل البلاد. تتراكم المشاكل في هذا القطاع بسبب الفساد المستشري داخل الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء، بل والحكومة المصرية نفسها، التي لم تتحرك بجدية لوضع حد لهذا التدهور الذي يؤدي إلى تفاقم الأزمات.
فعلى الرغم من المحاولات المتكررة لتطوير هذا القطاع، إلا أن هذه المحاولات فشلت في إصلاح المنظومة بسبب غياب الإرادة السياسية والمحاسبة الفعالة للمسؤولين المتورطين في هذه الأزمات، ما أوقع المصريين في دوامة من الخسائر والظروف القاسية.
منذ سنوات طويلة، أصبح من الواضح أن هناك جهات تعمل على تدمير قطاع الكهرباء المصري وتحويله إلى ميدان للاستغلال والفساد.
هذه الأفعال الخبيثة تمثل استفحالًا للفساد المؤسسي الذي يدير ملف الكهرباء، حيث تم استنزاف الأموال العامة عبر صفقات مشبوهة وتواطؤ بين مسؤولين حكوميين وشركات عالمية، كان أبرزها شركة “جنرال إلكتريك” الأمريكية.
وهذه الشركة تقف على رأس التلاعب بمقدرات قطاع الكهرباء في مصر، بينما كانت الحكومة تراقب بعين غافلة عما يحدث.
في عام 2014، بدأت فضيحة كبيرة عندما أعلنت شركة “جنرال إلكتريك” (GE) الأمريكية عن توصلها إلى اتفاق لشراء قطاعي الطاقة والشبكات الكهربائية من شركة “ألستوم” الفرنسية، وذلك مقابل 17 مليار دولار أمريكي (حوالي 12.4 مليار يورو).
وقد تم قبول هذا الاتفاق المثير للجدل بعد فضيحة رشاوى هزت أركان الشركات العالمية. حيث كانت “ألستوم” قد قدمت رشاوى مالية ضخمة لمسؤولين ومستشارين في دول عديدة، بما في ذلك مصر، بهدف الحصول على عقود لتنفيذ محطات الطاقة.
ورغم الفضيحة المدوية، استمر العمل في هذه المشاريع، ليحصل الأجانب على القدرة التامة على التحكم في محطات الطاقة الكهربائية في مصر، مع تدهور واضح للبنية التحتية الخاصة بالكهرباء.
وبناءً على هذا التحالف المشبوه، أكدت مصادر في وزارة الكهرباء المصرية أن شركة “جنرال إلكتريك” أصبحت تتحكم بشكل كبير في ملف الكهرباء المصري، خاصةً بعد تخارج “ألستوم” من السوق.
الشركة الأمريكية، التي تتخذ من ولاية كونيتيكت الأمريكية مقرًا لها، أصبحت الظل الذي يتحرك خلف وزارة الكهرباء وتسيطر على عمليات توزيع وإنتاج الطاقة في مصر.
وقد تواصلت شراكة “جنرال إلكتريك” مع وزارة الكهرباء في تحديث العديد من محطات الكهرباء، بما في ذلك محطة الكريمات التابعة لشركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء.
وفي هذا السياق، أعلنت “جنرال إلكتريك” في 2017 عن تحديث توربين غازي من طراز 9FA في محطة الكريمات، والتي تقع في مدينة أطفيح بصعيد مصر.
هذا التحديث كان يهدف إلى زيادة القدرة الإنتاجية للمحطة بنسبة 7.8%، حيث كان يهدف إلى رفع قدرة المحطة من 250 ميجاوات إلى 270 ميجاوات، مع تحسين الكفاءة بنسبة 2.8%، ما يقلل من استهلاك الوقود وتكاليف التشغيل.
هذا التحديث كان من المفترض أن يؤدي إلى تحسين أداء المحطة، بحيث تحقق شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء أرباحًا إضافية تقدر بحوالي 3.5 مليون دولار أمريكي سنويًا.
ولكن، وبعد إتمام عملية التحديث، بدأت المحطة في مواجهة مشاكل خطيرة، حيث تعرضت لتوقفات متكررة، بل وصل الأمر إلى حدوث انفجارات أثناء أعمال الصيانة، ما أدى إلى إصابات ووفيات بين العاملين بالمحطة.
وكشف رئيس شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء في وقت سابق عن مفاجأة كبيرة، حيث قال إن “جنرال إلكتريك” لن تتحمل أي نفقات لإصلاح الأعطال التي أصابت محطة الكريمات، كما أن الشهادات التي تم توقيعها بعد التحديث كانت مشبوهة ولم تتضمن أي ضمانات حقيقية.
فبالرغم من الضجيج الإعلامي الذي رافق التحديث، فإن المحطة لم تحقق النتائج المرجوة. وبالرغم من ذلك، تم التوقيع على هذه الشهادات التي تفيد بتحقيق الأهداف المرجوة من التحديث، في وقت كان فيه الواقع يناقض كل تلك الادعاءات.
تستمر فضائح “جنرال إلكتريك” في الظهور، حيث ثبت أن هذه الشركة لها علاقات مشبوهة مع الجهات الإسرائيلية. ففي عام 2016، وقعت “جنرال إلكتريك” عقدًا مع شركة الكهرباء الإسرائيلية (IEC) لدعم ثلاثة توربينات غازية من طراز 9FA في محطات توليد الطاقة في الأراضي المحتلة، في صفقات تضر بمصالح مصر الوطنية.
هذا التواطؤ مع شركات أجنبية يتحمل مسؤوليته المسؤولون في الحكومة المصرية ووزارة الكهرباء الذين لم يتحركوا لوقف هذه الصفقات التي تضر بمستقبل الطاقة في مصر.
لقد بات من الواضح أن هناك مافيا تعمل لصالح شركات أجنبية على حساب مصلحة مصر وأمنها الطاقوي. فعلى مدار سنوات طويلة، دمرت هذه المافيا محطات الكهرباء المملوكة للشعب المصري، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة المصرية تتعاون مع هذه الشركات الأجنبية، متجاهلة المصلحة العامة للشعب المصري.
وكان هذا التدمير مستمرًا بشكل ممنهج منذ عام 2012، حيث بدأت إدارة وزارة الكهرباء في عهد حكومة هشام قنديل باتخاذ قرارات تصب في صالح شركات أجنبية، ما أضعف قدرة المحطات الكهربائية الحكومية.
وفي هذا السياق، كانت حكومة هشام قنديل، التي تولت المسؤولية في عام 2012، من أولى الحكومات التي تبنت سياسات اقتصادية استهدفت خوصصة قطاع الكهرباء وفتح المجال أمام الشركات الأجنبية للهيمنة على هذا القطاع.
واستمرت هذه السياسات حتى في عهد حكومة إبراهيم محلب ثم حكومة شريف إسماعيل، وصولًا إلى حكومة مصطفى مدبولي التي استمرت في نفس النهج، حيث تم تقديم التسهيلات والتخفيضات الضريبية لشركات أجنبية على حساب مصلحة الشعب المصري.
وبالنظر إلى الحقائق والأرقام التي تتكشف يومًا بعد يوم، يبدو أن منظومة الكهرباء في مصر كانت ضحية لصفقات مشبوهة أسهمت في تدمير هذا القطاع الحيوي.
إن التخريب المنظم الذي تعرض له قطاع الكهرباء لم يكن مجرد نتيجة للإهمال أو سوء الإدارة، بل كان نتيجة لمخطط ممنهج يهدف إلى تمكين الشركات الأجنبية من السيطرة على مقدرات هذا القطاع المهم.
وإن الحل يكمن في محاسبة المسؤولين الذين تواطأوا مع هذه الشركات الأجنبية، وتحديد من هم وراء هذا التدمير المتعمد للقطاع.
إن ما يحدث في قطاع الكهرباء من فساد وتدهور يتطلب وقفة حاسمة من الحكومة والمجتمع المصري بأسره. لا بد من تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في جميع العقود المشبوهة، والكشف عن كافة التفاصيل حول تحطيم هذا القطاع الذي يشكل أساسًا لاستقرار الدولة المصرية.
إن الشعب المصري لا يمكنه الاستمرار في تحمل تبعات هذه السياسات الفاشلة، ويجب على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في إصلاح هذا القطاع الحيوي، الذي إذا ما استمر في هذا الوضع المأساوي، قد يهدد مستقبل البلاد بأسره.
إذن، يجب أن تُفتح ملفات الفساد هذه وتُحاسب كل الأطراف التي كانت وراء إضعاف قطاع الكهرباء، وأن يُستعاد الأمل في بناء مصر جديدة قادرة على الوفاء باحتياجاتها من الطاقة دون أن تصبح رهينة للصفقات المشبوهة التي تؤثر سلبًا على مصالح شعبها.