الفساد مستمر في إقليم وسط الصعيد: إهدار وسرقة المال العام في ظل تقاعس وزارة الثقافة
في فضيحة جديدة تُضاف إلى سجل الفساد الذي يعمّ أروقة إقليم وسط الصعيد الثقافي، تم الكشف عن وثائق وممارسات تثير الشكوك حول إدارة هذا الإقليم الذي يقبع تحت سيطرة ضياء مكاوي وكيل وزارة الثقافة والمشرف العام على فرع ثقافة أسيوط.
الوثائق التي حصل عليها موقع “أخبار الغد” تحمل في طياتها تفاصيل خطيرة حول إهدار المال العام بل وأكثر من ذلك، سرقته علنًا تحت ستار الثقافة ورعاية الفعاليات، مما يؤكد أن الفساد في هذا الإقليم لا يتوقف عند حدود الإهمال، بل يمتد إلى التربح واستغلال الموارد الثقافية لمصالح شخصية.
وفقًا لوثيقة رسمية، تم توقيع خطاب صادر من إقليم وسط الصعيد الثقافي يحمل توقيع ضياء مكاوي وختم شعار الجمهورية لفرع ثقافة أسيوط. الخطاب موجه إلى جهة مجهولة تحت اسم “الاتحاد العربي للتدريب وتنمية الموارد البشرية – فرع أسيوط”.
والغريب في الأمر أن هذا الاتحاد، كما تم الكشف، ليس له أي صلة بالثقافة أو الإعلام. بل هو مؤسسة تهدف إلى تنمية رأس المال البشري، مما يجعل وجودها في هذا السياق الثقافي غير منطقي ويطرح تساؤلات حول أهداف هذا التعاون والجهات المستفيدة منه.
الخطاب، الذي يحمل توقيعًا آخر لشخص يُدعى محمد شافع، مدير عام الشؤون الثقافية، يدعو الاتحاد العربي للمشاركة في مؤتمر بعنوان “دعم وتمكين ذوي الإعاقة نحو مجتمع أكثر شمولية”، الذي تم عقده في فرع ثقافة أسيوط يوم 8 ديسمبر 2024.
وهذا الحدث، الذي يبدو في ظاهره مبادرة لدعم ذوي الهمم، يثير العديد من التساؤلات حول الهدف الحقيقي وراءه، خاصة مع الكشف عن وجود كيانات غير ثقافية في تنظيم الحدث وتورط مسؤولي الثقافة في إقليم وسط الصعيد في التربح تحت ستار دعم قضايا الإعاقة.
في التفاصيل، يتم تنظيم المؤتمر تحت رعاية اللواء هشام أبو النصر، محافظ أسيوط، وبدعم من عدة جهات من بينها مؤسسة كيان “إرادة شباب مصر”، ومديرية الشباب والرياضة، وجامعة سفنكس، بالإضافة إلى الاتحاد العربي للتدريب وتنمية الموارد البشرية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع مسؤولي وزارة الثقافة للتعاون مع جهات لا علاقة لها بالثقافة أو قضايا ذوي الهمم؟ وهل يتم استخدام هذه الأنشطة كغطاء لتحويل الأموال إلى جيوب المتورطين؟
إهدار المال العام لا يقتصر فقط على تنظيم الفعاليات غير المجدية، بل يمتد إلى تعيينات وهمية ومسميات وظيفية لا وجود لها في الهيكل الرسمي للدولة.
فقد ثبت أن ضياء مكاوي والمقربين منه يقومون بانتحال ألقاب ومسميات لا تتفق مع الهيكل الوظيفي للدولة، مما يؤكد أن الفساد أصبح أمرًا ممنهجًا في هذا الإقليم.
الأنشطة التي نظمت تحت مظلة المؤتمر تتضمن ورش عمل ومعارض فنية، منها معرض للفنون التشكيلية للفنان إبراهيم حسين من ذوي الهمم، بالإضافة إلى عرض فني لفرقة “النور للمكفوفين” وعرض آخر بلغة الإشارة لفريق “بيننا أصم”.
كل هذه الفعاليات قد تبدو، في ظاهرها، مبادرات جيدة لدعم ذوي الهمم، لكنها لا تخفي حقيقة أن هذه الفعاليات ليست إلا جزءًا من غطاء أكبر لتمرير الفساد وإهدار الموارد العامة.
كما تم تكريم عدد من الشخصيات البارزة، مثل سهير الحادي عضو مجلس النواب السابق وعمر ضياء، أول الجمهورية في الثانوية العامة دمج، مما يعزز من الشكوك بأن هذه التكريمات ليست إلا محاولة لتلميع صورة مسؤولي الإقليم وإخفاء الأجندات الحقيقية وراء تنظيم المؤتمر.
المفارقة الكبرى تكمن في توقيع المستندات والخطابات الرسمية بختم شعار الجمهورية، مما يضفي على هذه الفعاليات شرعية زائفة ويزيد من تعقيد الأمور.
كيف يتم استخدام موارد الدولة بهذا الشكل الفاضح دون أي رقابة أو محاسبة؟ لماذا تظل وزارة الثقافة صامتة حيال ما يجري في إقليم وسط الصعيد؟
وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن تعمل هيئة قصور الثقافة على تقديم خدمات ثقافية حقيقية للمجتمع، نجد أن الفساد قد استشرى فيها بشكل غير مسبوق، حيث يتم تحويل الأنشطة الثقافية إلى وسيلة للتربح الشخصي.
ومن المؤسف أن هذه الهيئة، التي كان يُنتظر منها أن تكون ركيزة لنشر الوعي الثقافي ودعم الفئات المهمشة، قد تحولت إلى وكر للفساد والتربح.
كما أن وزارة الثقافة، التي يجب أن تكون مسؤولة عن محاسبة المتورطين، تقف موقف المتفرج دون أن تحرك ساكنًا.
تقاعس الوزارة يعزز من انتشار الفساد في مختلف فروع الهيئة، مما يضع مستقبل العمل الثقافي في مصر على المحك.
حيث يمكن القول إن ما يحدث في إقليم وسط الصعيد الثقافي هو كارثة بكل المقاييس. فبينما يعاني المواطنون من تدهور الخدمات الثقافية، يتم استغلال المال العام لتحقيق مكاسب شخصية.
الفساد المستشري في هذا الإقليم يضع مستقبل الثقافة في خطر، ويجب على الجهات الرقابية أن تتدخل بشكل عاجل لوضع حد لهذه المهزلة التي تُدار تحت ستار الثقافة ودعم ذوي الهمم.