تقاريرعربي ودولى

بعد وصوله موسكو: هل ينجو بشار الأسد ورموزه من المحاكمة بجرائم الحرب

منذ سيطرة قوات المعارضة السورية على العاصمة دمشق، أصبح اختفاء بشار الأسد ورموز نظامه الأكثر إثارة للجدل والتكهنات. الأسد الذي لطالما حكم سوريا بقبضة حديدية اختفى من المشهد مع سقوط نظامه، ولم يكن وحده، بل تبعته مجموعة من كبار القادة العسكريين والأمنيين الذين طالما ارتبطت أسماؤهم بالدمار والجرائم ضد الإنسانية.

بينما تتصاعد التساؤلات، يبدو أن الهروب الجماعي لهذه الشخصيات البارزة يكشف عن انهيار كامل للمنظومة الأمنية والعسكرية التي كانت تسيطر على سوريا لسنوات.

لم يكن اختفاء الأسد مجرد حدث مفاجئ أو بسيط، بل جاء مع غياب تام لعدد من المسؤولين الذين شكلوا الأعمدة الأساسية لنظامه. منذ سنوات، كانت أسماء مثل ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد وقائد “الفرقة الرابعة مدرعات”، تُرعب السوريين بسبب دوره المحوري في قمع الانتفاضات الشعبية بوحشية.

أما اليوم، فقد اختفى ماهر الأسد جنبًا إلى جنب مع قادة آخرين بارزين، مما يثير التساؤلات حول مكان وجودهم وما إذا كانوا قد فروا خارج سوريا أو تم تهريبهم تحت حماية حلفاء النظام.

ماهر الأسد وعلي مملوك: الأذرع الأمنية تختفي مع سقوط النظام

يُعد ماهر الأسد من أهم الشخصيات العسكرية التي ارتبطت بالنظام السوري، وقد قاد “الفرقة الرابعة” المعروفة بوحشيتها في قمع التظاهرات والحفاظ على النظام. إلى جانبه يبرز اسم علي مملوك، الذي كان يشغل منصب مستشار الأمن الوطني للأسد. مملوك هو أحد أكثر الشخصيات الأمنية تأثيرًا في النظام، وكان مسؤولا عن إدارة العديد من العمليات القمعية ضد المعارضة. الآن، لا يوجد أي أثر لهما بعد سقوط النظام، مما يزيد من الشكوك حول دورهما في الهروب الجماعي لكبار القادة.

ولم يقتصر الغياب على ماهر الأسد ومملوك، بل امتد ليشمل شخصيات أخرى مثل علي محمود عباس، وزير الدفاع في حكومة الأسد، الذي كان يدير الجيش السوري خلال سنوات الحرب. إضافة إلى عبد الكريم محمود إبراهيم، رئيس هيئة الأركان العامة، الذي كان مسؤولًا عن تخطيط وتنفيذ العديد من العمليات العسكرية ضد المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

قائمة طويلة من القادة العسكريين تختفي فجأة

اختفاء الأسد وشقيقه لم يكن الحدث الوحيد المفاجئ؛ فقد تبعه غياب غامض لأسماء أخرى من القادة العسكريين والأمنيين البارزين. من بين هؤلاء قحطان خليل، رئيس شعبة المخابرات العسكرية، الشخصية المسؤولة عن الكثير من الانتهاكات بحق المعتقلين السوريين في سجون النظام. إلى جانبه اختفى منذر سعد إبراهيم، رئيس هيئة العمليات، وسهيل نديم عباس، مدير إدارة العمليات في جيش الأسد.

القادة العسكريون الذين تولوا قيادة الفيالق الرئيسية في الجيش السوري، والذين كانوا يلعبون دورًا حيويًا في العمليات العسكرية، قد اختفوا أيضًا. من بين هؤلاء غسان إسكندر طراف، قائد الحرس الجمهوري، وسهيل فياض أسعد، قائد الفيلق الأول، ومحمد خليف المحمد، قائد الفيلق الثاني، وأحمد يوسف معلا، قائد الفيلق الثالث.

حتى الهيثم عساف، قائد الفيلق الرابع، وعمران محمود عمران، قائد الفيلق الخامس، قد فقدوا أيضًا. هذا بالإضافة إلى صالح العبد الله، قائد “الفرقة 25″، التي كانت إحدى أقوى الفرق العسكرية الموالية للنظام. أما سهيل الحسن، المعروف بلقب “النمر”، والذي كان يقود القوات الخاصة ويشتهر بوحشيته، فلم يُعرف عنه أي شيء منذ سقوط دمشق.

الأجهزة الأمنية في مهب الريح: غياب القيادات الأمنية الرئيسية

بينما تستمر قوات المعارضة في بسط سيطرتها على العاصمة، يُطرح سؤال محوري حول مصير قيادات الأجهزة الأمنية التي كانت تمثل القوة الخفية للنظام. غياب غيث ديب، رئيس شعبة الأمن السياسي، وهو أحد المسؤولين عن إدارة الشبكات الاستخباراتية، يثير التساؤلات حول مدى الترتيبات التي تمت قبل سقوط النظام.

إلى جانب ديب، فقد اختفى حسام لوقا، مدير إدارة المخابرات العامة، الذي كان يدير عمليات الاعتقال والتعذيب بحق آلاف السوريين. دور لوقا كان حاسمًا في قمع المعارضة، واليوم يبدو أن مصيره أصبح مجهولًا مثل غيره من القيادات الأمنية التي كانت تتحكم في سوريا من خلف الكواليس.

فرار من المحاسبة أم استراتيجية هروب مدروسة؟

الغموض الذي يحيط باختفاء بشار الأسد ورموز نظامه العسكريين والأمنيين يفتح الباب أمام العديد من الاحتمالات. قد يكون هؤلاء المسؤولون قد فروا بالفعل إلى خارج سوريا بمساعدة حلفاء النظام مثل روسيا أو إيران، الذين يمتلكون القدرة على تأمين ملاذات آمنة لهم. وقد يكونون قد لجأوا إلى مناطق سرية داخل البلاد في انتظار الفرصة المناسبة للعودة إلى الواجهة أو محاولة استعادة السيطرة بشكل ما.

التسجيلات التي انتشرت مؤخرًا تظهر نفقًا ضخمًا تحت مقر إقامة ماهر الأسد، وكان مجهزًا بشكل فخم ما يشير إلى أن النظام كان مستعدًا لاحتمال سقوطه منذ فترة. هذا النفق ربما كان جزءًا من خطة هروب أكبر ضمت العشرات من الشخصيات التي لم يظهر لها أي أثر بعد السقوط المفاجئ لدمشق.

ما وراء الاختفاء: تساؤلات حول المحاسبة الدولية

إن اختفاء بشار الأسد وكبار مسؤوليه لا يغير حقيقة الجرائم التي ارتكبها النظام ضد الشعب السوري طيلة سنوات الحرب. بينما تتواصل التحقيقات والملاحقات الدولية، يبقى السؤال حول ما إذا كان هؤلاء المسؤولون سيواجهون العدالة أم أنهم سيتمكنون من الإفلات من العقاب.

الجرائم التي ارتبطت بأسماء مثل ماهر الأسد وعلي مملوك وسهيل الحسن، والتي تشمل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لا تزال محل تحقيقات دولية. ومع ذلك، فإن غياب هؤلاء المسؤولين يجعل من الصعب تحقيق العدالة في الوقت الراهن، ويترك آلاف العائلات السورية التي فقدت أبنائها بسبب القمع والتعذيب في حالة من عدم اليقين والانتظار.

إن مصير الأسد ورموزه لا يزال غير معروف، لكن ما هو مؤكد أن النظام الذي حكم سوريا بالحديد والنار قد انهار، ومعه انهارت أركانه الأساسية، فيما يظل الشعب السوري يتطلع إلى العدالة والمحاسبة عن سنوات طويلة من الألم والمعاناة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى