تواجه مصر أزمة حقيقية في قطاع الزراعة، هذا القطاع الذي يعد شريان الحياة لملايين المواطنين ويشكل أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني.
ففي عام 2021/2022، تم تسجيل ما لا يتعدى 9.7 مليون فدان من الأراضي المنزرعة في مختلف أنحاء الجمهورية، ما يعادل حوالي 94 فدانًا فقط لكل 1000 نسمة من سكان مصر.
هذه الأرقام رغم ضخامة مساحتها، إلا أنها تفضح حجم الكارثة التي تعصف بالقطاع الزراعي، وتكشف عن الانهيار التدريجي في المساحات الزراعية المتاحة للاستغلال.
في الوقت الذي يشهد فيه العالم طفرة غير مسبوقة في مجال الزراعة والتكنولوجيا الزراعية، لا تزال مصر متمسكة بمنهج قديم في إدارة الأراضي الزراعية، لا يواكب حجم التحديات المستقبلية.
المساحة المخصصة للزراعة في البلاد تعاني من تدهور مستمر بسبب غياب الاستراتيجيات الفعّالة وقلة الاستثمارات اللازمة لتطوير هذا القطاع الحيوي.
كل فدان من هذه المساحة هو نقطة ضعف في معادلة زراعية ضيقة قد تقود إلى كارثة غذائية محتملة إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
الرقم 9.7 مليون فدان، رغم أنه قد يبدو ضخمًا للوهلة الأولى، إلا أنه لا يعكس واقعًا زراعيًا مستدامًا قادرًا على توفير الأمن الغذائي لشعب يتجاوز تعداد سكانه 100 مليون نسمة.
إن معادلة الزراعة في مصر معادلة غير متوازنة، فالعدد الكبير للسكان يقابله مساحة قليلة من الأراضي الزراعية، وهذا يشكل تهديدًا حقيقيًا للاقتصاد المصري، الذي يعتمد بشكل أساسي على الزراعة في توفير السلع الأساسية والموارد الغذائية للمواطنين.
تحت وطأة التحديات الكبرى التي تهدد الأمن الغذائي، يجد قطاع الزراعة المصري نفسه في مأزق كبير. فقد أصبح من الواضح أن الاعتماد على هذه المساحات المحدودة لم يعد كافيًا، لا على مستوى الإنتاج ولا على مستوى توفير احتياجات السكان اليومية.
وبالرغم من المحاولات المستمرة لتطوير القطاع الزراعي وزيادة المساحات المنزرعة، فإن الجهود المبذولة لم تصل إلى المستوى المطلوب، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تواجه الزراعة في مصر تحديات ضخمة تتراوح بين تدهور الأراضي الزراعية، والنقص الحاد في الموارد المائية، وضعف الاستثمارات في التكنولوجيا الحديثة.
رغم أن الحكومة قد حاولت مرارًا وتكرارًا إيجاد حلول للمشاكل المزمنة التي يعاني منها هذا القطاع، إلا أن المحاولات لم تثمر عن نتائج ملموسة حتى الآن. بل على العكس، يبدو أن هذه المشاكل تتفاقم يوماً بعد يوم، في ظل غياب الرؤية المستقبلية المترابطة بين كافة القطاعات الزراعية.
قد يتساءل الكثيرون عن الأسباب الحقيقية لهذا الانحدار المستمر في مساحة الأراضي الزراعية. هل هو نتيجة لسوء الإدارة أم لضعف التشريعات المنظمة؟ أم أن الأمر يعود إلى النقص الحاد في الاستثمار الزراعي؟ لا شك أن هذه الأسئلة تفتح الباب أمام تساؤلات أكبر عن قدرة الدولة على مواجهة التحديات القادمة.
ففي الوقت الذي تنمو فيه معدلات السكان بشكل سريع، لا يبدو أن هناك تحركًا كافيًا من الحكومة أو من القطاع الخاص للاستثمار في تحسين الإنتاج الزراعي وزيادة المساحات المنزرعة.
إن أرقام المساحات المنزرعة لا تواكب زيادة الطلب على المنتجات الزراعية التي يحتاجها المواطن المصري. فالحاجة إلى توفير الغذاء للشعب باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، وما يثير القلق هو أن المساحة المزروعة تقل بشكل ملحوظ أمام التحديات الاقتصادية والبيئية التي تواجهها مصر.
وبحسب تقارير دولية، فإن معدلات إنتاج الغذاء في مصر تعاني من تراجع ملحوظ، ما يضع البلاد في موقف صعب على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
اليوم، نجد أن مصر باتت على مفترق طرق في قطاع الزراعة، فإما أن تتحرك بجدية لتعزيز استثماراتها في هذا المجال الحيوي، وإما أن تستمر في السير نحو كارثة زراعية تهدد قدرتها على توفير غذاء آمن لمواطنيها.
يبقى السؤال المحوري، هل ستنجح الحكومة في تحفيز القطاع الزراعي وإعطائه الأولوية التي يستحقها في مواجهة النمو السكاني المتسارع، أم أن الزراعة ستظل في مؤخرة اهتمامات الدولة، مما سيؤدي إلى أزمة كارثية ستؤثر على الجميع؟
لا يمكن لأحد أن يتجاهل أن مساحات الأراضي الزراعية في مصر تحتاج إلى ثورة حقيقية في طرق استغلالها وإدارتها، فالاعتماد على الطرق القديمة لم يعد كافيًا لمواكبة احتياجات القرن الواحد والعشرين.
في ظل هذا الواقع المقلق، تزداد التوقعات بتفاقم الأزمة في المستقبل القريب إذا لم يتم إيجاد حلول جذرية تؤدي إلى زيادة المساحات المنزرعة وتعزيز قدرة مصر على تلبية احتياجاتها من المنتجات الزراعية.
فإن أزمة الزراعة في مصر هي أزمة شائكة ومعقدة، لا يمكن أن تستمر دون تداعيات كارثية على الأمن الغذائي والاقتصادي.
إن الوضع الذي تعيشه البلاد في هذا القطاع يحتاج إلى إعادة تقييم شاملة، وضرورة العمل الفوري على إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة، لإنقاذ مصر من هذه المعادلة المدمرة التي تهدد مستقبلها الزراعي.