مرة أخرى، تعود الحكومة المصرية، ممثلة في الهيئة القومية للأنفاق التابعة لوزارة النقل، للبحث عن تمويل جديد لتطوير ما تسميه مشروعات البنية التحتية، وفي هذه المرة نتحدث عن مترو الأنفاق.
الهيئة تستعد للحصول على قرض من تحالف من البنوك المحلية بقيادة بنكي الأهلي ومصر، بقيمة 10 مليارات جنيه مصري، وذلك في إطار خطتها للعام المالي 2024-2025، بغرض سداد جزء من تكاليف تطوير الخط الأول لمترو الأنفاق.
وبالرغم من تلك الأرقام الكبيرة التي يتم تداولها، يبقى الواقع مريرًا، حيث يظل المواطن المصري يتحمل الفاتورة الأضخم لهذه المشروعات التي نادرًا ما يراها مكتملة أو حتى مؤثرة في حياته اليومية.
وتُقدَّر تكلفة التطوير بالدين المحلي بـ10 مليارات جنيه، فيما يتم سداد المستحقات بالعملة الأجنبية عبر قروض مُيسرة تصل إلى 605 ملايين يورو.
هذه القروض تأتي من مؤسسات دولية مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) وبنك الاستثمار الأوروبي (EIB)، إلى جانب وكالة التنمية الفرنسية (AFD).
وتغطي هذه القروض المستحقات الأجنبية المتعلقة بتطوير أنظمة الإشارات والاتصالات والتحكم المركزي، بالإضافة إلى الأعمال الكهروميكانيكية وحزمة القوى الكهربائية.
في هذه المرحلة، يتولى تحالف شركات مكون من كولاس ريل وأوراسكوم للإنشاءات وهيتاشي مسؤولية تنفيذ هذه الأعمال، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي حققته هذه التحالفات في السنوات الماضية؟
المواطن لا يزال يعاني من تردي خدمات النقل، والمترو تحديدًا، حيث يواجهون يوميًا مشاكل في التأخير والازدحام الشديد، وهو ما لم يتغير منذ سنوات طويلة.
176 مليار جنيه قروض من أجل لا شيء
الهيئة القومية للأنفاق تسجل أرقامًا ضخمة في الحصول على القروض، إذ بلغت قروضها نحو 176 مليار جنيه في العام المالي الحالي 2024-2025، لتمويل ما تصفه بخطتها الاستثمارية.
هذه القروض تشكل عبئًا إضافيًا على الاقتصاد المصري المتعثر، دون وجود رؤية واضحة عن كيفية استرداد هذه المبالغ أو حتى الاستفادة منها في تحسين البنية التحتية للنقل بشكل حقيقي.
وفقًا لتصريحات عضو مجلس إدارة الهيئة، فإن هذه الأموال تهدف إلى تحسين كفاءة الخط الأول لمترو الأنفاق، الذي يستهدف نقل مليوني راكب يوميًا بعد انتهاء أعمال التطوير، مقارنة بـ1.3 مليون راكب حاليًا.
وبحسب الخطط، فإن هذا التطوير سيسهم في تقليل زمن التقاطر بين القطارات ليصل إلى دقيقتين ونصف بدلًا من 4 دقائق ونصف، وهو الهدف الذي طالما تكرر الحديث عنه دون أن يرى المواطن أي تحسين حقيقي.
الحكومة تواصل تحميل المواطنين تكاليف سياساتها الفاشلة في إدارة الموارد. فبدلًا من التركيز على تقليل حجم الديون وتطوير الاقتصاد بشكل حقيقي، نجدها تلجأ بشكل متكرر إلى الاقتراض من البنوك المحلية والدولية، ما يزيد من ديون البلاد بشكل غير مسبوق.
وبينما تُعلن الحكومة عن هذه القروض والمشروعات الضخمة، يعيش المواطنون في واقع مليء بالصعوبات المالية والاقتصادية التي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
أين تذهب الأموال؟
القروض التي تحصل عليها الحكومة المصرية تتراكم بشكل رهيب، دون أن يرى الشعب أي أثر إيجابي على الأرض. الهيئة القومية للأنفاق وحدها حصلت على قروض ضخمة بلغت 176 مليار جنيه، ومع ذلك، ما زال المصريون يعانون من تدهور مستوى الخدمات المقدمة في قطاع النقل.
لا يُفهم لماذا تُخصص هذه المبالغ الضخمة لتطوير المترو بينما تعاني العديد من الخدمات الأساسية الأخرى من نقص التمويل والإهمال.
المواطنون المصريون الذين يعتمدون على المترو في حياتهم اليومية لا يزالون يواجهون تحديات مستمرة، منها الأعطال المتكررة وزيادة أوقات الانتظار والازدحام الشديد داخل المحطات والقطارات.
على الرغم من الوعود الكثيرة بتحسين الخدمة وتقليل زمن التقاطر بين القطارات، إلا أن الحقيقة تقول غير ذلك. فالوعود المتكررة حول تقليل زمن التقاطر لتصل إلى دقيقتين ونصف بدلًا من 4 دقائق ونصف لم تُحقق بعد، رغم الأموال الضخمة التي تم ضخها في هذا المشروع.
فساد الحكومة وتقاعسها
من الواضح أن هناك خللًا جسيمًا في إدارة مشروعات البنية التحتية في مصر. الحكومة المصرية لا تفعل سوى البحث عن قروض جديدة كلما واجهت أزمة في التمويل، دون أن تقدم حلولًا حقيقية لمشاكل الشعب اليومية.
وبدلًا من أن تركز الحكومة على توفير حلول مستدامة وفعالة لتحسين خدمات النقل، نجدها تُغرق البلاد في المزيد من الديون وتترك المواطن وحده يتحمل العبء.
وفي ظل هذا التوجه المتزايد نحو الاقتراض، يتساءل الكثيرون عن مدى شفافية الحكومة المصرية في إدارة هذه الأموال. فالكثير من هذه القروض تُخصص لتطوير مشروعات لا يرى المواطن منها شيئًا، مما يثير الشكوك حول احتمالات الفساد وإهدار المال العام.
إن استمرار الحكومة في سياساتها الحالية من اقتراض وتمويل مشروعات غير مكتملة يعد دليلًا على فساد هيكلي وتقاعس كبير في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. الشعب المصري يستحق إدارة أفضل لموارده، بدلًا من تحميله أعباءً إضافية عبر هذه القروض الضخمة.
النهاية المجهولة
في ظل هذه القروض الضخمة، يبقى السؤال الأهم: إلى متى ستستمر الحكومة المصرية في هذا النهج؟ متى ستتوقف عن اللجوء إلى القروض كمصدر أساسي لتمويل مشروعاتها غير المكتملة؟
كيف ستتمكن الحكومة من سداد هذه القروض في ظل تدهور الاقتصاد المصري وارتفاع معدلات الفقر والبطالة؟
إن ما يحدث الآن من تحميل البلاد المزيد من الديون دون رؤية واضحة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية يمثل خطرًا كبيرًا على مستقبل مصر.