10 آلاف سوري يتوافدون إلى سجن صيدنايا بحثًا عن معتقليهم المفقودين
بعد الإعلان عن وصول المعارضة السورية إلى سجن صيدنايا وبدء خروج المعتقلين منه، تدفق الآلاف من السوريين إلى السجن سيء السمعة في محاولة يائسة للبحث عن ذويهم الذين تم اعتقالهم في هذا المكان المروع، الذي يعد من أسوأ المعتقلات في تاريخ سوريا.
دياب سرية، مؤسس “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، مؤكدًا أن أكثر من عشرة آلاف مدني تجمعوا في محيط السجن وفي داخله، يبحثون عن أبنائهم المعتقلين.
وأشار سرية إلى أن هذه المأساة لا تزال تثير العديد من التساؤلات حول مصير المعتقلين والمفقودين في هذا السجن. بالنسبة للكثيرين، لا يزال الأمل موجودًا في العثور على أحبائهم الذين فقدوا لأعوام.
ووثق الناشط المدني عمر سعود في مقطع فيديو نشره وضع السجن، مشيرًا إلى أن هناك العديد من المعتقلين محتجزين داخل السجن الأحمر، الذي يحتوي على طوابق تحت الأرض، مما يجعل من الصعب تحريرهم.
وأوضح سعود أن عملية الإنقاذ تحتاج إلى رموز وتقنيات متخصصة لا يستطيع التعامل معها سوى الضباط العسكريين، مطالبًا في الوقت ذاته تدخل الدفاع المدني لتنفيذ عمليات حفر أو إيجاد حلول أخرى تتيح إخراج المعتقلين من تلك الزنازين المظلمة.
في المقابل، انتشرت العديد من التسجيلات التي وثقت تحرير مئات المعتقلين من زنازين السجن، التي كانت تضم مساجين في ظروف قاسية، بينهم نساء وأطفال.
وعند خروجهم، كان أغلبهم في حالة من الدهشة والارتباك، غير قادرين على فهم ما يجري من حولهم، وهو ما يعكس حجم المعاناة والظروف المأساوية التي مروا بها داخل السجن.
تاريخ سجن صيدنايا وظروفه
سجن صيدنايا هو أحد أقدم السجون السورية، حيث تم تأسيسه في عام 1987 خلال فترة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، وذلك كجزء من سياساته الأمنية لتعزيز السيطرة الداخلية من خلال سجن المعارضين السياسيين.
يقع السجن على تلة صغيرة في بلدة صيدنايا الجبلية، التي تبعد نحو 30 كيلومترًا شمال دمشق. يحتوي السجن على بنائين رئيسيين؛ الأول هو البناء القديم الذي يعرف باسم “البناء الأحمر”، والثاني هو “البناء الأبيض” الذي تم إنشاؤه لاحقًا.
يمتد السجن على مساحة 1.4 كيلومتر مربع، وهي مساحة تعادل ثمانية أضعاف حجم ملاعب كرة القدم الدولية في سوريا. هذا السجن الذي يمثل رمزًا للقمع في سوريا، لا يقتصر دوره على احتجاز السجناء السياسيين، بل أصبح مركزًا رئيسيًا لتصفية المعارضين وممارسات التعذيب.
التبعية الإدارية والظروف المعيشية
ما يميز سجن صيدنايا عن غيره من السجون السورية هو تبعيته لوزارة الدفاع السورية، مما يعني أنه يتبع لأعلى سلطة أمنية في الدولة ويعزل عن أي رقابة قضائية أو حقوقية.
يشير تحقيق “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” إلى أن وزارة العدل لا تملك أي سلطة على هذا السجن، ما يجعل دخول أي شخص إلى السجن أو زيارة أي معتقل فيه أمرًا مستحيلاً دون إذن من الشرطة العسكرية بعد موافقة من شعبة الاستخبارات العسكرية.
ظروف السجن داخل صيدنايا تعتبر من أسوأ ما يمكن تخيله. يعاني المعتقلون من أساليب تعذيب قاسية وظروف صحية مأساوية. يتراوح المعاملة بين الإعدام الميداني للمعتقلين، وتصفية الأجساد التي لا يستطيع أحد من أهالي الضحايا أن يعرف عنها شيئًا.
سمعة سجن صيدنايا بين السوريين والعالم
لطالما اكتسب سجن صيدنايا سمعة سيئة للغاية، حيث وصفته منظمة العفو الدولية في تقاريرها بـ “المسلخ البشري”، وذلك بسبب الممارسات القمعية والانتهاكات التي تحدث فيه، حيث يتعرض المعتقلون للتعذيب والقتل بطرق غير إنسانية. كما أشار التقرير إلى أن صيدنايا أصبح يُعد “مذبحة هادئة” تتم فيها تصفية المعتقلين بطرق جماعية وغير قانونية.
ويعد هذا السجن واحدًا من أكثر الأماكن سرية في العالم، حيث يعتبر السوريون أن ذكره لا يعني إلا فقدان الأحبة، ويغرقهم في بحر من الأسى. وفقًا لما ذكرته “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، أصبح السجن يمثل بالنسبة للكثير من السوريين مكانًا يلتصق بذاكرتهم بمرارة الفقدان، وسط آلام لا يمكن نسيانها.
الوضع الحالي في سجن صيدنايا والمستقبل المجهول
ومع الإعلان عن بدء خروج المعتقلين من سجن صيدنايا، توافدت الآلاف من عائلات المفقودين إلى السجن أملاً في العثور على أخبار عن أحبائهم، رغم عدم وضوح صورة ما يجري داخل السجن. ورغم أن بعض المعتقلين قد تم تحريرهم، إلا أن العمليات التي تمت لم تكن منظمة بالشكل المطلوب، مما يخلق العديد من التساؤلات حول مصير البقية.
ومع استمرار مئات العائلات في انتظار أن يتسنى لها معرفة مصير أحبائها الذين فقدوا في هذا السجن، لا تزال صيدنايا يمثل تحديًا كبيرًا للمنظمات الحقوقية والإعلامية في كشف الحقائق. حتى الآن، يبقى هذا السجن مركزًا للغموض والأسئلة التي يصعب الإجابة عليها، بينما يظل المصير مجهولًا بالنسبة للكثير من المعتقلين.