فضيحة توريد 273 ألف عداد ذكي بمخالفة قانونية وإهدار 2.5 مليار و200 مليون جنيه
في مشهد يعكس حجم الفساد المستشري في قطاع الكهرباء المصري، تتكشف واحدة من أكبر الفضائح التي طالت المناقصات الخاصة بتوريد العدادات الذكية، والتي كان من المقرر أن تستفيد منها الشبكة القومية للكهرباء لتقليل الفاقد من الطاقة ومكافحة سرقة التيار الكهربائي.
هذه المناقصة التي وصلت قيمتها إلى 2.5 مليار جنيه شهدت تدخلات مشبوهة من شركة “ZTE” الصينية بشكل غير قانوني، مما أسفر عن فشل في تحقيق العدالة والمساواة بين الشركات المتنافسة، وأدى إلى إهدار المليارات من أموال الدولة في ظل تقاعس الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء والحكومة المصرية.
دخول مظروف “ZTE” الصينية في مناقصة مخالفة
في جلسة تلقي المظاريف الخاصة بمناقصة توريد 273 ألف عداد ذكي بنظام الجهد المتوسط والمنخفض، وقعت فضيحة من العيار الثقيل، حيث فوجئت الشركات المتنافسة بالدعوة للمناقصة بدخول مظروف جديد تابع لشركة “ZTE” الصينية بشكل غير قانوني، على الرغم من عدم دخولها في المناقصة أو اجتيازها الاختبارات الفنية أو تقديم شهادات الأمان المطلوبة.
هذه المخالفة الواضحة لقواعد المناقصات أثارت غضب الشركات المتقدمة، ومنها “جلوبالترونكس” و”حسن علام” و”السويدي” و”المصرية للعدادات الحديثة” و”اسكرا” و”ستيت جريد”، والتي تقدموا بعروض قانونية وملتزمة بشروط المناقصة.
رغم اعتراض هذه الشركات، لم تقم اللجنة المشرفة على المناقصة التابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر بأي إجراء قانوني تجاه هذه المخالفة، بل تم تأجيل المناقصة وطلب من الشركات المتقدمة إما تقديم مظروف جديد أو الإبقاء على المظروف القديم بحسب رغبتهم، ما يعكس فسادًا إدارياً صارخًا. هذا الأمر أضاف مزيدًا من الشكوك حول نزاهة المناقصة، وأدى إلى انعدام الثقة في الإجراءات المتبعة.
تدخلات “جابر دسوقي” و”المستشار القانوني” في الفضيحة
وتأكد لاحقًا أن دخول مظروف شركة “ZTE” كان بتوجيهات مباشرة من المهندس “جابر دسوقي”، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، الذي قام بالتشاور مع “العضو المتفرغ لشركات التوزيع” و”المستشار القانوني” للشركة القابضة.
وصرح المستشار القانوني لرئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر بأن دخول المظروف الصيني تم بناء على صلاحيات رئيس الشركة القابضة.
كما أعلن العضو المتفرغ لشئون شركات توزيع الكهرباء، أنه تم فتح المظاريف المالية للعروض المقدمة من 9 شركات، وتم استبعاد شركتين، على أن يتم التفاوض مع 7 شركات أخرى، فيما يبقى مصير المناقصة مجهولاً في ظل هذه الفوضى.
فساد في تركيب العدادات الكودية والتوريد غير الصالح
وفي سياق الفساد المستشري في قطاع الكهرباء، يكشف تقرير آخر عن تورط الشركات التابعة لوزارة الكهرباء في توريد عدادات كودية غير صالحة للعمل. في عام 2019، تم تركيب عدادات مسبقة الدفع لحوالي 25 ألف مواطن.
ولكن هذه العدادات كانت تحتوي على عيب فني خطير، حيث أنها كانت تستمر في العمل دون فصل الكهرباء عند انتهاء شحن الرصيد، مما أدى إلى زيادة نسبة الفقد في الكهرباء بشكل غير مسبوق.
عندما اكتشفت شركة الكهرباء هذه العيوب، قامت بسحب العدادات من المنازل، وتم تحميل الفاتورة على المواطنين بدلًا من تحميل المسؤولية على الفساد الذي ارتكبته قيادات الكهرباء.
لكن الفضيحة لم تنتهِ عند هذا الحد. ففي عام 2023، تم توريد 205 آلاف عداد كودي آخر يحتوي على نفس العيوب إلى شركة “جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء”، وذلك بتدخل من رئيس الشركة القابضة “جابر دسوقي” و”العضو المتفرغ لشركات التوزيع”.
ورغم أن العدادات لم يتم تركيبها للمواطنين هذه المرة، فإنها تم تخزينها في المخازن، ما أدى إلى إهدار 40 مليون جنيه من المال العام.
الحملة الإعلامية المضللة وإهدار 200 مليون جنيه
في خطوة أخرى من خطوات الفساد والإهدار، تم إطلاق حملة إعلامية ضخمة لتمويلها 200 مليون جنيه سنويًا، في محاولة لترشيد استهلاك الكهرباء.
هذه الحملة التي كانت تهدف إلى رفع الوعي لدى المواطنين، تم تنفيذها بواسطة إحدى شركات الخدمات الإعلامية الكبرى، وكانت تشمل جلسات تصوير وظهور قيادات الشركات التابعة للشركة القابضة في مقاطع فيديو صغيرة تعهدوا خلالها بحماية حق المواطنين ومحاسبة المخالفين وتوفير الكهرباء المستدامة.
وقد اشتركت في الحملة 10 شركات كهرباء، من بينها 9 شركات توزيع وشركة نقل الكهرباء، حيث قامت كل شركة بدفع 18 مليون جنيه سنويًا لتغطية تكاليف الحملة.
ورغم هذا الإنفاق الضخم، فإن الحملة لم تحقق أي نتائج ملموسة في تقليل الفاقد من الكهرباء أو ترشيد استهلاكها. وزادت الأمور سوءًا بعد أن صرح وزير الكهرباء “الدكتور محمود عصمت” بأن الفاقد في الطاقة يكلف الدولة أكثر من 30 مليار جنيه سنويًا، وهو ما يفضح فشل هذه الحملة الإعلامية في تحقيق أهدافها.
فساد فني وإداري في محطات الكهرباء
تتعدد أوجه الفساد في قطاع الكهرباء، حيث تتركز جزء من مشكلة الفقد الكبير في الشبكة القومية للكهرباء، والذي يتراوح بين 25% و35%، في الإهمال المتعمد من الحكومة ووزارة الكهرباء لملف صيانة محطات الكهرباء.
حيث تعمل الكثير من المحطات بنصف قدرتها، ما يزيد من استهلاك الوقود ويؤدي إلى توقف العديد منها لأسباب فنية. وعلى الرغم من أن وزارة الكهرباء والمسؤولين عنها يزعمون أن الفاقد يعود إلى سرقات الكهرباء،
إلا أن الحقيقة تشير إلى أن السبب الرئيسي هو التدهور الكبير في البنية التحتية لقطاع الكهرباء. وعلى الرغم من توفر حق الضبطية القضائية لدى شركات الكهرباء للحد من السرقات، فإنهم لا يستخدمون هذه السلطة بالشكل الأمثل، ما يزيد من نسبة الفقد في الكهرباء.
هذه الفضائح التي تكشفت على مدار الفترة الأخيرة تمثل صورة قاتمة عن الفساد المتفشي داخل الحكومة ووزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر.
وكل هذه الممارسات تشير إلى غياب الرقابة والنزاهة في إدارات هذه المؤسسات، التي تواصل إهدار المال العام دون أي اكتراث بمصلحة المواطنين أو المصلحة الوطنية.
حيث يستمر المسؤولون في تجاهل الأزمات والتستر عليها من خلال الحملات الإعلامية الفاشلة والقرارات غير المدروسة، في حين أن الأرقام تكشف عن أبعاد الفساد والضياع الذي يهدد مستقبل قطاع الكهرباء في مصر.