تمثل الثروات الطبيعية شريان الحياة لأي دولة، وتعد القوام الأساسي لاقتصادها، فضلاً عن كونها تشكل ضمانًا لمستقبل الأجيال القادمة.
في هذا السياق، يشير قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1803 إلى حق الشعوب في السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية، مع ضرورة استغلالها في صالح التنمية الوطنية ورفاهية الشعب.
ورغم أن مصر تمتلك ثروات طبيعية هائلة، إلا أن هناك تقاعسًا شديدًا من قبل الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الكهرباء والشركة القابضة للكهرباء، في إدارة هذه الثروات بشكل رشيد.
بل إن هناك فسادًا مستشريًا يؤثر بشكل مباشر على حقوق الشعب في ثرواته الطبيعية، بما يؤدي إلى هدر هذه الثروات بشكل مستمر.
ثروات مصر الطبيعية المهدرة
أثبتت الدراسات أن مصر تملك من الثروات الطبيعية ما يجعلها واحدة من أغنى دول العالم. فحسب تقارير مركز معلومات مجلس الوزراء، تملك مصر أكبر مخزون من الرخام والجرانيت على مستوى العالم، ويمكنها تصدير هذه المواد إلى الخارج بقيمة تصل إلى ملياري دولار سنويًا إذا تم استغلال المحاجر بشكل صحيح.
ولكن الوضع على أرض الواقع يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة هذه الثروات. فبدلاً من استغلالها، يتم بيعها بأسعار هزيلة لا تليق بمكانة مصر كدولة غنية بالموارد.
على سبيل المثال، يتم بيع الرمال السوداء، التي تدخل في صناعة السيراميك، بسعر 45 قرشًا للمتر المكعب، في حين أن سعرها العالمي يصل إلى عشرات الدولارات.
وهذا النوع من الإهدار يحدث أيضًا في الرمال البيضاء، التي تُستخدم في صناعة الزجاج، وكذلك الطفلة التي تدخل في صناعة الأسمنت، حيث يتم بيعها بأقل من جنيه واحد للطن.
وتجدر الإشارة إلى أن مصر تملك أيضًا مخزونًا هائلًا من الفوسفات يقدر بحوالي 10 آلاف مليون طن، في مناطق مثل المحاميد وأبوطرطور وساحل البحر الأحمر.
ووفقًا لسعر الفوسفات البالغ حوالي 80 دولارًا للطن، فإن القيمة الإجمالية لهذا المخزون تصل إلى حوالي 800 مليار دولار. ورغم هذه الثروات الهائلة، فإن الحكومة المصرية تواصل إهدار هذه الموارد بشكل غير مسؤول، دون أي خطط استراتيجية لاستغلالها في تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد.
الفساد في عقود التنقيب والإنتاج
أحد أبرز الأمثلة على الفساد المستشري في إدارة الثروات الطبيعية هو عقد التنقيب عن خامات التانتلم في جبل أبو دياب، شمال مرسى علم. تم منح هذا العقد إلى شركة استرالية في عام 2002، ولم يتم عرضه على مجلس الوزراء أو مجلس الدولة أو مجلس الشعب.
ومع مرور أكثر من عقد من الزمن، لم يتم استخراج أي إنتاج من هذه الخامات، بينما استمرت الشركة في استغلال العقد الذي منح لها دون أي رقابة.
المشكلة أكبر من مجرد عقود مشبوهة، بل تتعلق بفشل الحكومة في تطبيق القوانين واللوائح التي من المفترض أن تحمي ثروات الشعب.
عقد التنقيب هذا، بالإضافة إلى عقود أخرى مشابهة في مجال المعادن والطاقة، يثير تساؤلات كثيرة حول كيفية إدارة الموارد الطبيعية في مصر، وأين تذهب الأموال الناتجة عن هذه الموارد.
فساد وزارة الكهرباء والشركة القابضة للكهرباء
يتسع نطاق الفساد ليشمل أيضًا قطاع الكهرباء، الذي يمثل أحد أكبر الأعباء على الاقتصاد المصري. فالشركة القابضة للكهرباء، التي تتحمل مسؤولية إدارة هذا القطاع الحيوي، تتكبد خسائر سنوية ضخمة.
طبقًا للتقارير، فإن الشركة تسجل خسائر تقدر بحوالي 30 مليار جنيه سنويًا بسبب الفقد الفني والتجاري فقط. وتزداد هذه الخسائر بسبب الفساد المستشري في مختلف قطاعات الشركة، من الإنتاج إلى النقل والتوزيع.
أما ديون شركة الكهرباء، فتصل إلى نحو 44 مليار دولار، بما في ذلك المديونيات المستحقة لوزارة البترول التي تقدر بنحو 200 مليار جنيه. وإذا أضفنا فوائد هذه المديونيات، فإن الدين المتراكم على الدولة يصبح حوالي 52 مليار دولار.
هذا الفشل في إدارة الموارد الكهربائية يكشف حجم الإهدار الذي يعاني منه هذا القطاع، ويُظهر بوضوح غياب خطة استراتيجية حقيقية لتطوير هذا القطاع الحيوي.
ورغم هذه الديون المتراكمة، تستمر الحكومة في تنفيذ خطط الخصخصة لمحطات الكهرباء، التي لا يمكن أن تكون في صالح الشعب المصري، بل هي خطوة تهدف إلى تحويل ملكية هذه المحطات إلى شركات خاصة لا تهدف إلا إلى الربح.
مصر تمتلك ثروات ضخمة ولكن الفساد يعرقل استغلالها
تؤكد التقارير العالمية على أن مصر من أغنى دول العالم من حيث الموارد الطبيعية، لكنها في الوقت نفسه من أفقر الدول في استغلال هذه الموارد. ففي عام 2012، قالت كاثرين أشتون، المفوضة العامة للاتحاد الأوروبي، إن مصر تمتلك ثروات تكفي لمساعدة ربع الدول الأوروبية.
كما أكد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، مهاتير محمد، في زيارته إلى القاهرة، أن مصر تمتلك ثروات ضخمة غير مستغلة كافية لمساعدة خمسين دولة. ورغم هذه التصريحات، تستمر مصر في معاناتها الاقتصادية بسبب سوء إدارة هذه الثروات.
في عام 2024، ما زال الشعب المصري يعاني من تدهور اقتصادي غير مبرر، على الرغم من أن البلاد تمتلك كل هذه الثروات الطبيعية.
الحكومة المصرية، التي تزعم أنها تعمل على تحسين الوضع الاقتصادي، لا تملك رؤية واضحة ولا خطة استراتيجية لإدارة هذه الثروات بشكل يسهم في تحسين حياة المواطنين. بل على العكس، تستمر الحكومة في تحميل الشعب عبء الديون والفقر، عبر زيادة الضرائب ورفع الأسعار، في حين تواصل إهدار ثروات البلاد.
أزمة الكهرباء والإصلاحات الاقتصادية
إحدى الأزمات الكبرى التي تكشف عن فساد الحكومة هي أزمة قطاع الكهرباء في مصر. في الوقت الذي يعاني فيه الشعب من انقطاع الكهرباء بشكل مستمر، وتكبد الدولة لخسائر ضخمة بسبب الفقد الفني والتجاري، فإن الحكومة تتجاهل تنفيذ الإصلاحات الجذرية التي قد تساهم في تحسين هذا القطاع.
في حين أن الدين المتراكم على شركة الكهرباء وصل إلى نحو 44 مليار دولار، فإن الحكومة تتجاهل سبل الاستفادة المثلى من الطاقة المتاحة، مثل استغلال الطاقة المتجددة، والاستثمار في مشروعات جديدة تعمل على تحسين البنية التحتية.
ورغم ذلك، تتزايد الديون المترتبة على مشروعات الكهرباء، التي كان من المفترض أن تكون جزءًا من الحلول المستدامة لمشاكل الكهرباء في البلاد.
لكن الفساد في وزارة الكهرباء والشركة القابضة للكهرباء يعوق هذه الجهود، ويجعل من هذه المشاريع عبئًا إضافيًا على خزينة الدولة.
غياب الشفافية والإرادة السياسية
إن ما يعاني منه الشعب المصري من تدهور اقتصادي هو نتيجة حتمية لغياب الشفافية والمحاسبة، بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية في محاربة الفساد.
الحكومات المتعاقبة فشلت في استغلال ثروات مصر على النحو الذي يحقق المصلحة العامة، بل ساعدت في استنزاف هذه الثروات لصالح شركات خاصة وأفراد فاسدين.
إهدار الثروات الطبيعية لا يقتصر على قطاع واحد، بل يشمل جميع القطاعات الحيوية في البلاد، من الكهرباء إلى التعدين، ومن الغاز إلى البترول.
ورغم أن مصر تملك جميع المقومات التي تجعلها في مقدمة الدول الاقتصادية، فإن الفساد المستشري يعرقل أي محاولة للنهوض بالاقتصاد الوطني.
إن الحل الوحيد لمشكلة الفساد في إدارة الثروات الطبيعية هو تطبيق القوانين بصرامة، وإعادة ترتيب الأولويات بما يضمن مصلحة الشعب المصري أولاً وأخيرًا.
في ظل هذا الوضع المزري، يجب على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها في الحفاظ على ثروات البلاد وتوجيهها نحو التنمية المستدامة.