تقاريرمصر

فساد الحكومة المصرية يهدر 58 ألف ميجا وات ويتسبب بخسائر تجاوزت 30 مليار جنيه

تفاقمت أزمة الكهرباء في مصر بسبب سوء الإدارة في السنوات العشر الأخيرة، الفساد المستشري، والتخطيط غير المدروس من قِبل الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء والحكومة المصرية.

فعلى الرغم من استثمارات ضخمة بقيمة مليارات الدولارات، ما زالت الكهرباء تهدر بلا طائل، مما أضر بمستقبل الاقتصاد المصري وأثقل كاهل المواطن.

مع حلول عام 2021، وصلت قدرة إنتاج الكهرباء في مصر إلى ما بين 55 و58 ألف ميجا وات، في حين أن احتياجات الاستهلاك لا تتجاوز 28 ألف ميجا وات في الشتاء و32 ألف ميجا وات في ذروة الصيف.

وعلى الرغم من أن هذه الطفرة في الإنتاج جاءت بعد موجات انقطاع التيار الكهربائي التي عانت منها البلاد ما بين 2011 و2014، إلا أن الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر، لم تتمكن من الاستفادة من هذا الفائض الهائل. بدلاً من ذلك، تحول فائض الكهرباء إلى عبء مالي ضخم دون عائد.

الإهدار والفائض غير المستغل

بحسب تصريحات المهندس جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، وصلت خسائر القطاع إلى أكثر من 30 مليار جنيه بسبب عدم استغلال 25% من إجمالي الطاقة المنتجة.

وبدلاً من مواجهة الحقيقة، لجأ دسوقي إلى تحميل المواطنين المسؤولية، متهمًا إياهم بسرقة الكهرباء، في حين أن السبب الحقيقي يعود إلى الفساد المتفشي في جميع قطاعات الكهرباء من الإنتاج إلى التوزيع، بالإضافة إلى سوء التخطيط وانعدام المحاسبة.

قرارات غير مدروسة وصفقات مشبوهة

في أعقاب المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ في أوائل عام 2015، اتخذت الحكومة المصرية قرارات كارثية بإبرام عقود بمليارات الدولارات مع شركات الكهرباء الكبرى بدون إجراء دراسات جدوى. تم منح هذه الصفقات بشكل مباشر، مما تسبب في زيادة هائلة في إنتاج الكهرباء دون تخطيط حقيقي لاستغلالها.

وبالرغم من أن الحكومة بررت هذه الإجراءات على أنها طارئة لحل أزمة العجز، فإن الحقيقة المؤلمة تكشف عن الفساد وسوء الإدارة، حيث كانت هذه المشروعات معتمدة بشكل كبير على الوقود الأحفوري باهظ التكلفة كالغاز والمازوت، الأمر الذي فاقم الديون وتأجيل سدادها.

الفشل في تطوير البنية التحتية

مشروعات توليد الكهرباء الضخمة التي نفذتها وزارة الكهرباء كان يفترض أن تحل أزمة العجز، لكنها جاءت على حساب البنية التحتية لنقل الكهرباء. فالشبكات القديمة، التي لم تكن قادرة على استيعاب أكثر من 32 ألف ميجا وات من إجمالي الإنتاج، تسببت في إهدار قدرات كبيرة من الطاقة المنتجة.

وقد تأخرت الحكومة المصرية في إدراك هذه المشكلة، وفشلت في تطوير شبكات النقل بما يتناسب مع الزيادة في الإنتاج. هذا الفشل انعكس على البلاد من خلال هدر مليارات الجنيهات في إنتاج طاقة غير مستغلة، مما أضر بالاقتصاد الوطني.

الأموال المهدرة والديون المتراكمة

قدرت الاستثمارات في مشروعات الكهرباء منذ عام 2014 بمليارات الدولارات. استثمرت مصر في ثلاث محطات توليد عملاقة تعمل بنظام الدورة المركبة بقدرة إجمالية 14.4 جيجاوات، بالإضافة إلى مشروعات للطاقة المتجددة، مثل حقل بنبان للطاقة الشمسية بقدرة 1.8 جيجاوات.

ولكن، وبحسب المهندس جابر دسوقي، فإن الفشل في استغلال هذا الفائض أدى إلى تكبد القطاع خسائر فادحة. وفي محاولة يائسة لخفض نسبة الفقد في الطاقة، أعلنت الشركة القابضة لكهرباء مصر عن عدة إجراءات لم تؤتِ ثمارها، بل زادت من خسائر القطاع.

تُقدر قيمة الوقود الذي تحتاجه مصر لاستمرار تشغيل محطات الكهرباء بالغاز والمازوت بنحو 1.18 مليار دولار. هذا المبلغ الضخم الذي يُنفق على استيراد الوقود يزيد من أعباء المديونيات الخارجية والداخلية، مما ينعكس سلبًا على القدرة الاقتصادية للدولة.

وهذا الوضع الكارثي كان من الممكن تجنبه لو أن الحكومة المصرية والشركة القابضة لكهرباء مصر كانت لديها رؤية واضحة لتطوير البنية التحتية بدلاً من الإسراف في بناء محطات كهرباء تعمل بتكنولوجيا قديمة ومكلفة.

سوء الإدارة وتأخر التكنولوجيا

إحدى المشكلات الجوهرية التي ساهمت في تفاقم الأزمة هي عدم التعاقد على تكنولوجيا حديثة وأكثر كفاءة. تم إهدار مليارات الدولارات في بناء محطات كهرباء تعتمد على التكنولوجيا القديمة التي تستهلك كميات هائلة من الوقود، وتعمل بكفاءة منخفضة.

هذا التسرع غير المدروس أضاع على مصر فرصة تطوير قطاع الكهرباء بطريقة مستدامة وفعّالة. كما أن بعض المحطات التقليدية التي تم بناؤها منذ سنوات أصبحت متهالكة، وتعمل بنصف قدرتها الإنتاجية بسبب إهمال الصيانة وتغلغل الفساد في جميع جوانب الإدارة.

الركود في قطاع الكهرباء

واحدة من العواقب المباشرة لهذا الفشل في استغلال فائض الكهرباء هو الركود الذي أصاب قطاع الكهرباء في مصر. فقد توقفت الحكومة عن طرح مشروعات جديدة خلال الفترة الماضية، وأصبح النشاط الاقتصادي في هذا القطاع محددًا بالمشروعات التي تم تنفيذها خلال السنوات القليلة الماضية.

شركات الطاقة الكبرى، التي كانت تعتمد على السوق المصرية، اضطرت إلى تخفيض مستهدفاتها ومعدل نموها السنوي بسبب الفائض الكبير غير المستغل. الفشل في استغلال هذا الفائض تسبب في إيقاف عجلة الاستثمار في قطاع الكهرباء، مما أدى إلى حالة من الركود والجمود.

مشروعات الربط الكهربائي .. حل بعيد المنال

للتغلب على مشكلة الفائض في إنتاج الكهرباء، طرحت الحكومة المصرية رؤيتها لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة عبر مشروعات الربط الكهربائي مع الدول المجاورة.

وعلى الرغم من أن هذه الخطة تهدف إلى تحقيق عائد دولاري كبير من تصدير الكهرباء، فإن هذا الحل بعيد المنال ويحتاج إلى استثمارات ضخمة وفترة زمنية طويلة حتى يؤتي ثماره.

الأزمة العالمية في أسعار الطاقة وتطور التكنولوجيا تجعل من هذه الخطة غير مجدية على المدى القصير. وفي الوقت الذي تتعثر فيه هذه المشروعات، يستمر الهدر في الكهرباء، مما يزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي في مصر.

الفشل الاستراتيجي والفساد المستشري

إن ما تواجهه مصر اليوم هو نتيجة طبيعية للفساد وسوء الإدارة الذي استشرى في جميع أركان الحكومة ووزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر.

كل هذه المشروعات التي تم تنفيذها بمليارات الدولارات جاءت نتيجة صفقات مشبوهة، وعقود أبرمت بشكل مباشر دون دراسة حقيقية لاحتياجات البلاد أو القدرة على استيعاب هذه الزيادة الهائلة في الإنتاج.

بدلاً من الاستثمار في تطوير الشبكات والبنية التحتية، لجأت الحكومة إلى حلول سريعة وغير مدروسة، مما أدى إلى إهدار موارد البلاد المالية والطاقية بشكل غير مسبوق.

إن ما يحدث في قطاع الكهرباء هو جزء من منظومة فساد أوسع وأشمل تسيطر على الاقتصاد المصري. الديون المتراكمة، والفساد المتفشي، والإدارة العشوائية لمشروعات الكهرباء أدت إلى هذه الكارثة التي نشهدها اليوم.

الفائض في إنتاج الكهرباء، الذي كان من الممكن أن يشكل مصدر دخل كبير للدولة، تحول إلى عبء مالي جديد يزيد من الأوجاع الاقتصادية للبلاد.

فإن الحقيقة الصادمة هي أن فائض إنتاج الكهرباء في مصر، الذي يبلغ 25% من إجمالي الإنتاج، يبقى هدرًا كبيرًا لموارد الدولة بسبب سوء التخطيط والفساد. لم تستغل الحكومة المصرية هذا الفائض لتخفيف الأعباء المالية أو تحسين الأوضاع الاقتصادية، بل استمرت في إهدار الموارد من خلال مشروعات غير مدروسة وديون تتراكم يومًا بعد يوم.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى