كشف الجهاز المركزي للمحاسبات في تقرير شديد اللهجة، عن فساد واسع النطاق في قطاع الكهرباء المصري، مؤكداً أن الأجهزة الرقابية المختلفة، وعلى رأسها وزارة الكهرباء والحكومة المصرية، كانت في حالة من التقاعس المتعمد تجاه الفساد المستشري في هذا القطاع الحيوي.
وكشف التقرير عن تواطؤ خطير من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك شركة القناة لتوزيع الكهرباء، وشركة جلوبال للطاقة، المملوكة لمحمد مجدي حسين راسخ، صهر علاء مبارك، التي استفادت من تصرفات غير قانونية سمحت لها بتحقيق أرباح طائلة على حساب الدولة والشعب المصري.
في التفاصيل، بدأ الجهاز المركزي للمحاسبات في فضح المخالفات القانونية والمالية التي تحيط بالعقود المبرمة بين شركة القناة لتوزيع الكهرباء وشركة جلوبال للطاقة، حيث تم التعاقد على توريد الكهرباء إلى منطقة نبق السياحية بشرم الشيخ بقدرة 10 ميجاوات، رغم أن العقد المبرم كان مليئاً بالثغرات والفساد الذي لم يكن ليخفى على أي جهاز رقابي جاد.
نص العقد على بيع شركة القناة أربعة حلقات تغذية لمشروع جلوبال بمبلغ 4.1 مليون جنيه، تم دفعه بالتقسيط، لكن الأخطر كان السماح لشركة جلوبال بإعادة بيع التيار الكهربائي بأسعار تتجاوز ما حدده مجلس الوزراء لبيع الكهرباء للمستهلكين.
وهو ما مكن جلوبال من تحقيق أرباح ضخمة وصلت إلى 238 مليون جنيه من بيع نحو 1624 مليون كيلو وات من الكهرباء بأسعار تفوق الأسعار القانونية.
وقد أشار التقرير إلى موافقة رئيس مجلس إدارة شركة القناة لتوزيع الكهرباء، السيد “حسام الدين مصطفى”، على تمديد شبكات الجهد المتوسط بمنطقة نبق، ضمن استثمارات الشركة، وكان من المفترض أن تخدم هذه الشبكات مشاريع التنمية السياحية في المنطقة.
ولكن التعاقد مع شركة جلوبال أدى إلى تهميش هذه المشاريع وبيع الأراضي والشبكات التي كانت من المفترض أن تُستخدم في مشاريع ذات نفع عام. فقد تم تخصيص أربعة قطع أراض بمساحة إجمالية 55593 متر مربع لصالح مشروع توزيع الكهرباء،
وكان من المفترض أن تُستخدم لبناء منشآت توزيع الكهرباء لصالح مشروعات التنمية السياحية. تم بناء سور على إحدى هذه القطع بتكلفة 794 ألف جنيه، في حين تم تنفيذ أربع حلقات تغذية بقدرة 300/81 كيلو فولت، وبطول 26 كم لتوصيل الكهرباء للمشتركين.
ولكن بدلًا من أن تساهم هذه الاستثمارات في دعم مشروعات التنمية السياحية، كما كان من المفترض، فإنها أصبحت مجرد استثمارات ضائعة، حيث قامت شركة القناة ببيع ما تم تنفيذه من شبكات وأراضٍ لشركة جلوبال، لتظل هذه الأراضي والشبكات بلا استخدام أو استفادة فعلية.
وأدت هذه المخالفات إلى تدهور المشروع بأكمله، حيث تم إنهاء محطة محولات نبق جهد 22/66 كيلو فولت، التي تم إنشاؤها بتكلفة 34 مليون جنيه، في 24 مايو 2003، ولكن تغذية شركة جلوبال تم من خلال أربع خلايا خروج من هذه المحطة، وهو ما يعد مخالفة صريحة لبنود العقد المبرم.
حيث نص العقد على أن يتم تزويد شركة جلوبال بالكهرباء من خلال خلية واحدة فقط من شركة القناة، في حين كان من المفترض أن توفر خلايا أخرى من محطات توليد الكهرباء الخاصة بشركة جلوبال، التي لم تقم بإنشائها.
واستمرارًا في كشف الفساد، كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن موافقة شركة القناة لتوزيع الكهرباء على تخفيض مبلغ التأمين الذي يجب تحصيله من شركة جلوبال، حيث تم تحصيل مبلغ 250 ألف جنيه فقط رغم أن التأمين المستحق بلغ 21.4 مليون جنيه، وهذا يعد إهدارًا لأموال الدولة.
وتعرض التقرير إلى تفاصيل عن الفساد في حساب الضريبة، حيث كانت شركة جلوبال تدفع ضريبة قيمتها 3 قروش لكل كيلووات ساعة فقط على 10% من الاستهلاك،
بينما كان من المفترض أن يُحاسب الاستهلاك بأكمله وفقًا للضريبة المحددة في قانون ضريبة الدمغة رقم 111، مما أضاع على خزينة الدولة نحو 42.72 مليون جنيه، بالإضافة إلى إهدار مبلغ 1.46 مليون جنيه في رسم الإذاعة.
المخالفات لم تتوقف عند هذا الحد، بل امتدت إلى تأكيد التقرير على دور جهاز حماية المستهلك في حماية هذه المخالفات، حيث سمح للجهاز بممارسة نشاط إنتاج الكهرباء وتوريدها لشركة جلوبال، رغم أنها لم تقم بإنتاج أي طاقة كهربائية، بل اعتمدت بشكل كامل على شراء الكهرباء من شركة القناة لتوزيع الكهرباء.
بل أن الجهاز نفسه أفاد بعدم أحقية شركة القناة في إنشاء شبكات توزيع كهربائية في منطقة نبق، وهو ما يتعارض مع نصوص اللائحة التجارية لشركات التوزيع.
في هذا السياق، أدلى رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، “محمود عادل”، بتصريحات دفاعية عن موقف الجهاز في منح التراخيص لشركة جلوبال للطاقة، مشيرًا إلى أن هذه التراخيص لم تكن مخالفة للقانون.
ولكنه في الواقع كان يحاول تبرير تصرفات غير قانونية كانت تستفيد منها شركة جلوبال بشكل غير عادل، كما أن جهاز تنظيم مرفق الكهرباء اختار تجاهل شكاوى الشركات السياحية المحلية، التي كانت تتعرض لضغوط من شركة جلوبال التي كانت تحتكر توزيع الكهرباء في المنطقة.
وبحسب ما ذكره أصحاب القرى السياحية في منطقة نبق، فإنهم لم يكن لديهم خيار سوى التعاقد مع شركة جلوبال للطاقة للحصول على الكهرباء، حيث كانت الشركة الوحيدة التي تملك شبكة الكهرباء في المنطقة، وهو ما جعلها تفرض أسعارًا مرتفعة للغاية على خدمات الكهرباء التي تقدمها.
كما فرضت الشركة رسومًا ثابتة على الفنادق والشركات السياحية، حيث كانت تطالبهم بسداد ما يعادل 400 كيلووات شهريًا، دون مراعاة احتياجاتهم الفعلية من الكهرباء، مما أدى إلى تراكم مديونيات ضخمة بلغت 500 مليون جنيه.
تلك هي حقيقة ما يحدث في قطاع الكهرباء المصري، حيث أظهرت التحقيقات والتقارير الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات أن الفساد المالي والإداري قد نخر في هذا القطاع، وأن الأجهزة الرقابية لم تقم بدورها في حماية المال العام، بل إنها بدلاً من أن تحارب الفساد، كانت جزءًا من هذا الفساد.
إن هذا التقرير هو بمثابة صرخة مدوية ضد الفساد في مصر، التي تستنزف مواردها المالية لصالح حفنة من الشركات الفاسدة، بينما يعاني الشعب المصري من تداعيات هذه الممارسات.
إن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات يجب أن يكون نقطة انطلاق لتغيير حقيقي في سياسات الكهرباء والإصلاح الجاد، وإنهاء حالة التواطؤ التي سادت طيلة السنوات الماضية.