في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعاني منها المواطن المصري، يستمر سعر الدولار في تسجيل أرقام قياسية جديدة مقابل الجنيه المصري، ما يفضح بشكل أكبر التقاعس الحكومي المتواصل في معالجة الأزمة.
بعد أيام من الهدوء النسبي، ارتفع سعر الدولار ليصل إلى 50.27 جنيه، مسجلاً رقماً غير مسبوق. وشهد مصرف أبوظبي الإسلامي أعلى سعر للدولار، حيث وصل سعر الشراء إلى 50.18 جنيه، في حين سجل سعر البيع 50.27 جنيه.
في الوقت نفسه، سجل الدولار في أكبر بنكين حكوميين في مصر، البنك الأهلي وبنك مصر، 50.15 جنيه للشراء و50.25 جنيه للبيع.
هذا الارتفاع غير المبرر في سعر الدولار يعكس فشل الحكومة في احتواء الأزمة، بل ويكشف عن استمرار التراخي الحكومي والتجاهل التام لمعاناة المواطن.
في الوقت الذي يرزح فيه المصريون تحت وطأة الغلاء، يبدو أن الحكومة تتجاهل تمامًا مسؤولياتها في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمس حياتهم اليومية.
تصريحات رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، تكشف بوضوح عن افتقار الحكومة لأي استراتيجية فعالة لمواجهة الأزمة. حيث قال مدبولي إنه يتابع ما يُنشر وما يُثار على مواقع التواصل الاجتماعي من قلق بشأن الدولار، مشيرًا إلى أن الحكومة قد اتفقت على عدم تقييد حركة الدولار وأن يكون هناك “سعر صرف مرن”.
ورغم إشارته إلى أن هذه الزيادة في الدولار هي جزء من ظاهرة عالمية بسبب الانتخابات الأميركية، فإن التصريحات نفسها تفضح عجز الحكومة عن إيجاد حلول فعلية لهذه الأزمة. فقد قال مدبولي: “إيه اللي حصل في العالم كله؟
مع الانتخابات الأميركية ونتيجتها الدولار أصبح قويا على مستوى كل العملات سواء اليورو أو الجنيه الإسترليني، والجنيه المصري جزء من منظومة عالمية موجودة، وطبيعي يحصل هذه النوعية من الحركة”. ورغم اعترافه بارتفاع الدولار في السوق العالمية، إلا أنه لم يقدم أي حلول لتخفيف تأثير هذا الارتفاع على الاقتصاد المصري.
تصريحات مدبولي تعكس موقف الحكومة من الأزمة: التبرير بدلاً من اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف هذا الانهيار المتسارع. فالتفسير الذي قدمه رئيس الحكومة حول “حركة السوق” و”الطلب والعرض” ليس سوى محاولة للتغطية على التقاعس الحكومي في فرض رقابة على سوق الصرف.
فحينما يشير مدبولي إلى أن الجنيه المصري جزء من منظومة عالمية، فإن ذلك يعكس تمامًا عجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات لوقف تدهور الجنيه وحماية المواطنين.
ما ذكره مدبولي حول “السعر المرن” والدفاع عن سياسة “الحرية في تحديد السعر” ليس إلا فشلًا في إدارة الملف الاقتصادي. بدلاً من البحث عن حلول ملموسة، تواصل الحكومة تبرير تدهور الأوضاع.
تصريحات المسؤولين عن “المرونة” و”حرية السوق” لا تعني سوى التهرب من المسؤولية أمام الشعب المصري الذي يعاني من ارتفاع الأسعار وندرة العملة الصعبة. فكيف يمكن للحرية في السوق أن تنقذ المواطن المصري الذي يرى قدرته الشرائية تتآكل يومًا بعد يوم في ظل هذه الزيادة المبالغ فيها في سعر الدولار؟
كما أن الحكومة تواصل تجاهل مشاكل القطاع الخاص الذي يعاني من تزايد التكاليف، فبينما ترتفع أسعار الدولار، تتفاقم أزمة الشركات التي تواجه صعوبة في تأمين مستلزماتها من العملة الأجنبية. ومع ذلك، لا تتحرك الحكومة لتوفير حلول حقيقية، بل تتنصل من مسؤولياتها بحجة السوق الحرة.
ما يفضح الفساد الحكومي أكثر هو استمراره في إصدار تصريحات فارغة، دون تقديم أي حلول جادة. الحكومة تعلم تمامًا أن الاقتصاد المصري يواجه أسوأ أزمة منذ سنوات، وأن التداعيات الاقتصادية لهذه الزيادة في سعر الدولار ستكون كارثية على المواطن، لكنها تظل تردد نفس المبررات بلا أي خطوات عملية. إن إلقاء اللوم على العوامل الخارجية مثل الانتخابات الأميركية، رغم أن تأثيرها محدود نسبيًا على الاقتصاد المصري مقارنةً بالأزمات الداخلية، هو بمثابة اعتراف بالعجز التام من قبل الحكومة. بل إن تبريرات الحكومة حول تراجع الجنيه أصبحت تثير الغضب أكثر مما تهدئ القلق، فكيف لبلد يعاني من أزمة مالية حادة أن يكتفي مسؤولوها بمراقبة الأحداث من بعيد؟
الحكومة تواصل الحديث عن أن “الطلب والعرض” هما السبب وراء هذه الزيادة المستمرة في سعر الدولار، وهي محاولة مكشوفة للتغطية على فشلها في اتخاذ خطوات فعالة لضبط السوق. فكيف يمكن للسوق أن يعمل بحرية في ظل الفوضى الاقتصادية والفساد المنتشر؟ وهل يمكن أن يكون العرض والطلب سببًا في هذه الزيادة الجنونية؟ الحقيقة الواضحة هي أن هناك تقاعسًا حكوميًا متعمدًا في معالجة هذه المشكلة. الحكومة ترفض التدخل الجاد لضبط سوق الصرف في الوقت الذي يتزايد فيه تأثير الأزمة على المواطنين.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن استمرار “الحركة” في الأسواق، فإن المواطن المصري يواجه واقعًا مريرًا. فالأزمات الاقتصادية تتوالى على المواطن، وأسعار السلع والخدمات تتزايد بشكل متسارع. والنتيجة هي مزيد من الفقر والتهميش لملايين المصريين الذين يعانون من عدم توفر احتياجاتهم الأساسية، في وقت يواصل فيه الفساد الحكومي زيادة معاناة الناس بدلاً من أن يعمل على تخفيفها.
من الواضح أن الحكومة لا تبذل أي جهد حقيقي لمواجهة هذه الأزمة الاقتصادية. إذا استمرت الحكومة في اتباع سياسة التجاهل وعدم اتخاذ أي خطوات حاسمة لوقف تدهور الجنيه، فإن الوضع سيزداد سوءًا، وسينعكس ذلك سلبًا على حياة المواطنين بشكل أكبر. إن استمرار الحكومة في المراهنة على التبريرات الفارغة بدلاً من اتخاذ قرارات حاسمة سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد المصري ومستقبل البلاد.