استمرار فساد قيادات الكهرباء في مصر: 24 مغذيا قديمًا من 1992 تسببت بكوارث
إن ما يحدث في قطاع الكهرباء في مصر ليس مجرد سلسلة من الحوادث أو الأعطال العارضة، بل هو نموذج صارخ للفساد والإهمال المتعمد الذي يهدد أرواح المواطنين ويهدر المال العام.
فهذا القطاع الذي يعد من أعمدة الدولة الأساسية، ويؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين، أصبح ضحية لسياسات العبث المتعمدة من قبل قيادات الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء، التي أظهرت تقاعسًا غير مسبوق وتجاهلًا للأرواح البشرية والممتلكات العامة.
والشواهد على ذلك تتوالى بشكل يومي، في ظل فساد مستشري بدأ يظهر جليًا في العديد من المحطات والمرافق التي تكاد تصل إلى نقطة اللاعودة، وخاصة في محطة محولات سيدى سالم بمحافظة كفر الشيخ.
في البداية، تعود قصة الفشل هذه إلى محطات كهرباء مصرية، تحديدًا محطة محولات سيدى سالم التي تم إنشاؤها في عام 2005 بقدرة 220/66/11 كيلو فولت.
استخدمت في تلك المحطة مغذيات كهربائية عمرها يتجاوز عمر المحطة نفسها بحوالي 20 عامًا، حيث تم استيراد مغذيات تعود إلى عام 1992، أي أنها تجاوزت عمرها الافتراضي منذ عام 2014.
الأمر الأكثر غرابة هو أنه في عام 2021، وبعد فشل مغذيات جديدة، قررت إدارة الشركة القابضة لكهرباء مصر بقيادة جابر دسوقي، رئيس الشركة، استخدام مغذيات قديمة تم تكهينها منذ أكثر من عشر سنوات من منطقة قناة السويس لنقل الكهرباء.
تم نقل هذه المغذيات المتهالكة على وجه السرعة من مناطق الإسماعيلية والقاهرة، لتكون بديلاً للمغذيات المتعطلة في محطة سيدى سالم، التي كانت قد تأسست في 2005.
بدلاً من التعامل مع الأمر بجدية وشراء مغذيات جديدة، أو حتى إعادة استخدام المغذيات القديمة في المحطة نفسها، اختارت إدارة الشركة القابضة لكهرباء مصر أن تتبع سياسة “الترقيع” باستخدام معدات كهربائية قديمة وخرِبة، بما يزيد من الخطر على حياة العاملين في المحطة.
في أكتوبر 2021، بدأ أول عطل في محطة سيدى سالم بسبب تعطل أحد المغذيات من الجهد 11 كيلو فولت. كان بإمكان المسؤولين إصلاح العطل أو حتى استبداله بمغذيات جديدة، ولكن ما حدث كان مغايرًا تمامًا.
فقد قررت الشركة المصرية لنقل الكهرباء، تحت إشراف إدارة جابر دسوقي، نقل 24 مغذيًا قديمًا من منطقة القناة التي تقع تحت إشراف نفس القيادات التي تدير الآن منطقة الدلتا. وهذه المغذيات كانت قديمة جدًا، حيث يعود تصنيعها إلى عام 1992، أي أن عمرها يزيد عن 17 عامًا مقارنة بتاريخ إنشاء المحطة.
تم نقل 24 خلية من تلك المغذيات المتهالكة، حيث تحتوي كل 12 خلية على سكشن كهربائي. تم تركيب هذه المغذيات في محطة سيدى سالم على الرغم من حقيقة أنها تجاوزت عمرها الافتراضي، بل وتم تكهينها قبل عدة سنوات.
هذا القرار كانت نتائجه كارثية، حيث تكررت الأعطال بشكل أكبر مما كانت عليه، وعادت المحطة للعمل بمعدات قديمة لم تحقق أي تقدم بل زادت من حجم المشاكل التقنية.
ما يثير الاستغراب هو عدم تدخل قيادات الكهرباء في إصلاح هذه المشكلة وتجاهلها بشكل متعمد. وعوضًا عن اتخاذ القرار السليم، أصروا على استخدام مغذيات تالفة من القاهرة والإسماعيلية، مما أدى إلى زيادة الأضرار.
هذا الأمر استمر حتى وقع الانفجار الأول في المحطة في 11 مايو 2024، حيث حدث انفجار ضخم في أحد المغذيات المتهالكة المنقولة من الإسماعيلية. الانفجار نتج عنه إصابة العديد من العاملين في المحطة، وكان منهم المهندس نسيم بسيوني، رئيس المحطة، وهيثم عبدالله، محمد يوسف حسن، وغيرهم من المهندسين والفنيين الذين تعرضوا للإصابة نتيجة الانفجار الذي تسببت فيه المعدات المتهالكة.
ورغم تكرار هذه الحوادث، لم تكترث القيادات في الشركة القابضة لكهرباء مصر للأمر، بل استمروا في التهرب من مسؤولياتهم، وتجاهلوا حوادث الانفجارات المميتة التي كانت قد تسببت في إصابات خطيرة بين العاملين في المحطة. استمرت تلك القيادة في تجاهل الحلول الفعالة، مما أسفر عن انفجار أكبر في 12 مايو 2024. فقد تم ربط جميع المعدات المتهالكة بشكل فوضوي، مما تسبب في خروج المحطة بالكامل من الخدمة لمدة 9 ساعات كاملة، مع انقطاع جزئي لمدة 12 ساعة أخرى.
ما حدث في محطة سيدى سالم هو نموذج واضح لتقاعس الحكومة المصرية ووزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر، والتي ترأسها جابر دسوقي منذ عام 2012 حتى الآن. وبالرغم من تكرار الحوادث والكارثية الناتجة عنها، لم يتخذ أي إجراء حقيقي للحد من هذا الفساد. بل على العكس، استمر المسؤولون في سياسة الترقيع المتعمد باستخدام المعدات القديمة بدلًا من البحث عن حلول حقيقية.
فحتى بعد تكرار الانفجارات في محطة سيدى سالم، قرر المسؤولون في وزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر إعادة المغذيات القديمة التي كانت قد خرجت من الخدمة، والتي تم تكهينها منذ 10 سنوات، واستخدامها في محطة سيدى سالم مجددًا. وهذا القرار جاء بعد سلسلة من الانفجارات والأعطال التي كانت قد تسببت في إصابات خطيرة للمئات من العاملين في المحطة. على الرغم من حجم الكارثة التي هددت حياة العديد من المهندسين والفنيين، لم يتحرك أي مسؤول لمحاكمة هؤلاء الذين تسببوا في هذا الفشل الذريع.
إن ما يحدث في قطاع الكهرباء في مصر ليس مجرد حادث أو أعطال فنية، بل هو فشل ذريع على كافة الأصعدة، ويكشف عن عمق الفساد الذي يضرب هذا القطاع الحيوي. كل ذلك يحدث في ظل غياب المحاسبة والمسؤولية، مما يفتح المجال أمام المزيد من الفساد والإهمال الذي يؤدي إلى هلاك الأرواح وتدمير المال العام. وفي هذا السياق، يصبح من الضروري أن يتحمل جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، وكل المسؤولين في الوزارة، المسؤولية عن كل تلك الحوادث الكارثية التي هددت أمن المواطنين وأرواح العاملين في قطاع الكهرباء.