مصر التي تسعى بشدة للتخلص من أزماتها المالية والاقتصادية، تقع في فخ رهيب يتمثل في فساد مستشاري الوزارات وموظفي الدولة، الذين يستنزفون خيرات الوطن ويغرقونه في مستنقع من الفساد والمحسوبية.
ليس فقط الفشل في إدارة الوزارات هو الذي يعطل المسار الإصلاحي، بل أيضاً تكاليف المستشارين المتورطين في هذه الأزمات، الذين يقبضون مبالغ ضخمة بينما يعاني الشعب من البطالة والفقر.
التقرير الذي يكشف عن أرقام صادمة يوضح بشكل جلي كيف يتم هدر أموال الشعب المصري على مجموعة من الأشخاص الذين تجاوزوا سن التقاعد وأصبحوا عبئًا على الدولة، في وقت تكافح فيه الحكومة لتوفير الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين.
فالمستشارون في مختلف الوزارات يحصلون على رواتب خيالية وحوافز ضخمة لا تتناسب مع حجم المهام التي يقومون بها، إن كانت هناك مهام فعلاً.
وفقاً للتقارير الرسمية وغير الرسمية، يُقدّر أن إجمالي نفقات الدولة على المستشارين في الوزارات والهيئات الحكومية المصرية يتجاوز الـ 28 مليار جنيه سنوياً.
من المثير للدهشة أن هذا الرقم يشمل نحو 73 ألف مستشار يعملون في وزارات حيوية مثل وزارات الكهرباء والبترول والمالية والصحة والتضامن الاجتماعي والسياحة، هذا فضلاً عن المستشارين العاملين في الهيئات الاقتصادية وقطاع البنوك وبعض المحافظات.
هؤلاء المستشارون يحصلون شهرياً على رواتب تبلغ حوالي ملياري جنيه، ما يعادل سنوياً نحو 28 مليار جنيه، وهي أموال كان من المفترض أن تُوجه لتحسين الخدمات العامة في الدولة.
في قلب هذا الفساد تتربع وزارة الكهرباء التي تحتل مكانة بارزة في تكاليف المستشارين. فبينما تعاني شركات الكهرباء من مشاكل مالية، يستمر بعض المستشارين في تقاضي رواتب خيالية.
على سبيل المثال، ناديه قطري، التي تعمل كعضو متفرغ في الشركة القابضة لكهرباء مصر، تحصل على 500 ألف جنيه شهرياً، هذا فضلاً عن أرباح سنوية بالملايين.
أما بالنسبة لمستشاري وزارة المالية، فقد تصدرت الوزارة قائمة الوزارات التي يحصل فيها المستشارون على رواتب ضخمة، حيث يُقدر أن 500 مستشار يعملون في هذه الوزارة ويتقاضون رواتب ضخمة تصل إلى 600 ألف جنيه شهرياً.
لكن لا يقتصر الأمر على وزارة الكهرباء أو المالية، فهناك وزارات أخرى تدفع بسخاء لمستشاريها. ففي وزارة الصحة، يحصل بعض المستشارين على رواتب تصل إلى 150 ألف جنيه شهرياً.
أما في إحدى الهيئات الاقتصادية، يتقاضى 67 مستشاراً رواتب تصل إلى 300 ألف جنيه شهرياً لكل منهم. هذا الوضع جعل الدولة تستنزف مواردها المالية دون أن تُحسن استغلال هذه الأموال في قطاعات أخرى مثل الصحة أو التعليم.
المؤسف أن هذا الوضع ليس حديثاً، بل هو نتيجة لعقود من الفساد والمحسوبية، حيث يتم تعيين المستشارين بناءً على العلاقات الشخصية والمصالح الخاصة وليس على أساس الكفاءة أو الخبرة الفعلية.
ففي كثير من الأحيان، نجد أن هؤلاء المستشارين هم من الموظفين المتقاعدين الذين تجاوزوا سن السبعين عاماً، ما يجعلهم عاجزين عن تقديم أي إضافات حقيقية للعمل الحكومي.
والأكثر إيلاماً أن أعداد هؤلاء المستشارين تزداد بشكل كبير، فحسب تقرير المركز المصري للدراسات الاقتصادية، وصل عددهم إلى أكثر من 83 ألف مستشار في مختلف الوزارات والهيئات الحكومية، وهو ما يعكس تفشي ظاهرة الفساد التي لا تستطيع الحكومة مواجهتها.
هذا الوضع لم يتوقف عند حد معين، بل استمر في التوسع حتى وصل إلى ذروته، حيث وصلت تكاليف الاستعانة بالمستشارين في بعض الهيئات الحكومية إلى 24 مليار جنيه سنوياً، وتُظهر الإحصاءات أن الدولة تُنفق نحو 28 مليار جنيه سنوياً على رواتب المستشارين.
في هذا السياق، يمكن أن نرى أن “الأزمة” الحقيقية تكمن في تقاعس الحكومة عن اتخاذ أي إجراءات حاسمة لمحاسبة المستشارين الذين يحصلون على هذه المبالغ الضخمة في وقت تعاني فيه الدولة من أزمات اقتصادية خانقة.
وزارة الكهرباء، على سبيل المثال، التي تعاني من تزايد الديون والتكاليف التشغيلية، تواصل صرف الأموال على المستشارين دون تقديم أي نتائج تذكر من أعمالهم.
وقد أظهرت مضابط لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى في إحدى دوراتها الأخيرة أن تكاليف الاستعانة بالمستشارين في الهيئات الحكومية قد بلغت حوالي 24 مليار جنيه سنوياً.
وفي محاولة لمعالجة هذا الوضع، أصدر المركز المصري للدراسات الاقتصادية تقريراً يوضح فيه أن عدد المستشارين في الوزارات الحكومية قد وصل إلى 83 ألف مستشار، يتقاضون نحو ملياري ونصف جنيه شهرياً، ما يعادل 28 مليار جنيه سنوياً.
هذا المبلغ يمكن أن يحل العديد من المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الشعب المصري، لكنه بدلاً من ذلك يذهب إلى جيوب هؤلاء المستشارين الذين لا يقدمون أي خدمات ملموسة للبلاد.
وفي الوقت نفسه، أثار قانون الخدمة المدنية جدلاً واسعاً عندما قرر مجلس النواب في البداية رفض مادة تتيح الاستعانة بالمستشارين في الوزارات، ليعود لاحقاً ويعدل المادة 16 من القانون، مما سمح بتعاقد الوزارات مع “ذوي الخبرات في التخصصات النادرة” وفق شروط معينة، لكن لم يكن هذا التعديل كافياً للحد من مشكلة المستشارين.
التحقيق في هذه القضية يكشف عن ممارسات محابية ومجاملات غير قانونية تقوم بها الحكومة، حيث يتم تعيين مستشارين ليس بناءً على الكفاءة أو الحاجة الفعلية، بل بناءً على المصالح الشخصية.
الأمر الذي يعزز من فكرة أن هذه الأموال لا تصرف إلا لمصلحة قلة من الأفراد في المناصب العليا، بينما يُترك باقي الشعب المصري يعاني من أزمات البطالة والفقر ونقص الخدمات الأساسية.
ولا يمكن أن يستمر هذا الوضع إلى الأبد. فالحكومة بحاجة إلى خطة حاسمة لوقف هذا الفساد المستشري. يجب على وزارة الكهرباء، ووزارة المالية، وبقية الوزارات أن تبدأ فوراً في تنفيذ قوانين تُحد من الإنفاق على المستشارين، وأن توجه هذه الأموال نحو مشاريع حيوية تدعم التعليم، الصحة، الشباب، وتخلق فرص عمل حقيقية.
يجب أن يتحمل المسؤولون في هذه الوزارات مسؤولياتهم بشكل حازم، ولا يظلوا يغطون أنفسهم وراء قانون يتجاهل حاجة البلاد الحقيقية.
لن يفلح هذا النظام إذا استمر في تغطية فساد المستشارين، الذين ينهبون موارد الشعب المصري، ويستنزفون الأموال التي كان من الأجدر أن تُستثمر في مشاريع تنموية تُعزز من قدرة الاقتصاد الوطني.
لا مفر من ضرورة تطبيق القانون بشكل صارم على هؤلاء المتورطين في هذا الفساد، لضمان مصلحة المواطن المصري أولاً وأخيراً.