تشهد مدينة أسوان كارثة حقيقية، حيث أصبحت ساحة مفتوحة لتجارة السلاح والتهريب في ظل غياب كامل لدور الحكومة المصرية التي تبدو غير مكترثة أو عاجزة عن التصدي لهذا الخطر الداهم.
السلاح الخفيف والثقيل ينتشر في المدينة بشكل غير مسبوق، حيث يتجول المسلحون بحرية تامة، والسبب الرئيسي لهذا الانفلات الأمني هو فساد الدولة العميق، الذي سمح لتجار الذهب والمهربين بتحويل المدينة إلى مركز للعنف والتصفية الجسدية، وسط صمت مريب من السلطات.
تجار الذهب في أسوان هم القلب النابض لهذا الدمار. هؤلاء التجار لا يكتفون فقط بتكديس الثروات عبر تجارة الذهب، بل حولوا هذه التجارة إلى منصة لتصفية خلافاتهم باستخدام السلاح.
الأسلحة المتدفقة من السودان إلى أسوان بفضل الحدود المفتوحة والفساد المتفشي في الأجهزة الأمنية تُستخدم في معارك عنيفة بين التجار، والنتيجة دائماً ما تكون دموية.
المواطنين الأبرياء هم ضحايا هذه المعارك المستمرة، حيث يجدون أنفسهم في مرمى النيران في كل لحظة، دون أي حماية من الحكومة التي من المفترض أن تحميهم.
آخر ضحايا هذه الفوضى كان حارس أمن في أحد المستشفيات، أصيب برصاصة طائشة نتيجة لإحدى تلك المعارك الدموية بين تجار الذهب والمهربين.
هذه الحوادث ليست نادرة، بل أصبحت مشهداً يومياً في أسوان. كل هذا يحدث في ظل غياب تام لأي تدخل جاد من الحكومة المصرية، التي تركت المدينة لتسقط في دوامة من العنف والفساد.
يبدو أن الحكومة المصرية لا تهتم بما يحدث في أسوان، بل تتواطأ مع الفاسدين الذين يستفيدون من تجارة السلاح والتهريب، وهو ما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.
التهريب من السودان إلى أسوان أصبح شرياناً حيوياً لهذه الفوضى، والأسلحة تتدفق عبر الحدود بسهولة، دون أي رقابة حقيقية. الحكومة المصرية، التي تفتخر بأنها تحارب الإرهاب وتحافظ على الأمن، تبدو غير قادرة أو غير راغبة في التصدي لهذا التهديد الذي ينمو يوماً بعد يوم.
الفساد المتفشي في الأجهزة الأمنية والجمركية يُسهل عمليات التهريب بشكل مباشر، حيث يتغاضى المسؤولون عن دخول كميات ضخمة من الأسلحة إلى المدينة مقابل رشاوى ومصالح شخصية.
وفي مواجهة هذا الوضع المتردي، بدأت بعض القوى الاجتماعية في أسوان تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. مؤتمر شعبي يجري التحضير له في نادي النوبة، يهدف إلى التصدي لتزايد انتشار السلاح والمطالبة بتدخل جاد من الدولة لوقف هذا النزيف الأمني. ومع ذلك، فإن هذا التحرك الشعبي يبدو وكأنه محاولة يائسة في ظل غياب أي إرادة حقيقية من الحكومة المصرية لإصلاح الأوضاع. المسؤولون يفضلون التستر على الفوضى، والابتعاد عن اتخاذ أي خطوات ملموسة لوقف التهريب وتجارة السلاح، ربما لأنهم جزء من المشكلة.
السياحة في أسوان، التي كانت يوماً ما مصدراً رئيسياً للدخل القومي، باتت في خطر محدق. كيف يمكن للسياح أن يشعروا بالأمان في مدينة تتحول تدريجياً إلى ساحة حرب بين تجار الذهب والمسلحين؟ كيف يمكن أن تزدهر السياحة في ظل وجود هذا الكم من الفساد والإهمال الحكومي الذي يجعل من أسوان بؤرة للعنف؟ الحقيقة الصادمة هي أن الحكومة المصرية تتجاهل بشكل كامل هذه الكارثة وتترك المدينة تغرق في الفوضى.
ورغم كل هذه الأزمات، لم تُظهر الحكومة المصرية أي جدية في التصدي لهذه الفوضى. وزير الداخلية، الذي يُفترض أن يكون المسؤول الأول عن حفظ الأمن في البلاد، لا يظهر أي اهتمام حقيقي بما يحدث في أسوان. مناشدات المواطنين لجمع السلاح من أيدي الخارجين عن القانون وفرض القانون في المدينة تذهب أدراج الرياح. السلطات تكتفي بإصدار بيانات جوفاء لا تقدم ولا تؤخر، بينما يزداد الوضع سوءًا يوماً بعد يوم.
في الماضي، حاولت بعض القبائل العربية والعائلات في أسوان اتخاذ خطوات لحل مشكلة السلاح بأنفسهم. تم توقيع اتفاقية محلية بين هذه القبائل والعائلات لحظر حمل الأسلحة داخل المنازل أو التجول بها في الشوارع. كانت هذه المبادرة نوعاً من الحلول الشعبية البديلة التي تهدف إلى تحقيق الأمن الاجتماعي في ظل غياب الدولة، لكن هذه الاتفاقية لم تستطع الصمود أمام تدفق السلاح وفساد الأجهزة الأمنية. المهربون وتجار الذهب استغلوا الفوضى، وعاد السلاح ليغمر المدينة مرة أخرى.
الفساد الذي ينخر في الحكومة المصرية ليس مجرد عائق أمام تحقيق الأمن، بل هو السبب الرئيسي وراء تدهور الأوضاع في أسوان. كل المؤشرات تدل على أن هناك تواطؤاً مباشراً أو غير مباشر من بعض المسؤولين مع المهربين وتجار السلاح. حدود السودان المفتوحة وتدفق السلاح دون رادع ليس مجرد نتيجة للضعف الأمني، بل هو دليل على أن الفساد في القاهرة يسهل هذه العمليات بشكل ممنهج. كيف يمكن تفسير هذا الانتشار الكبير للسلاح دون أن تتدخل الحكومة المصرية بشكل حاسم؟
الوضع في أسوان ليس مجرد مشكلة محلية، بل هو تجسيد لفشل الدولة بأكملها في مواجهة الفساد والجريمة. إن ترك المدينة لمصيرها المظلم هو شهادة على تهاون الحكومة المصرية واستهتارها بحياة المواطنين، الذين باتوا رهائن لعصابات التهريب وتجار الذهب. الحكومة المصرية مسؤولة بشكل كامل عن هذا التدهور، وعليها أن تتحرك فوراً لإنقاذ أسوان قبل أن تغرق بشكل نهائي في الفوضى.