تمثل “خالدة للبترول”، إحدى شركات قطاع البترول المصري، بؤرة من بؤر الفساد المستشري في وزارة البترول. ورغم أن الدكتور كمال الجنزوري، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، قد أعلن أن قطاع البترول كان مدينًا للدولة بـ 61 مليار جنيه، إلا أن الفساد في هذا القطاع يتفاقم بشكل مخيف،
حيث تتبدد مليارات الجنيهات في منح وهدايا وعطايا وأمور تافهة، بينما يعجز عن توفير الوقود الأساسي للمواطنين من بنزين وسولار وغاز، وحتى أنبوبة البوتاجاز التي باتت حلماً لكثير من الأسر.
في هذا التقرير، موقع “أخبار الغد” يكشف عن شبكة فساد ممنهجة داخل “خالدة”، حيث يتقاسم قادة الشركة مغانم إهدار المال العام.
ورغم وعود وزير البترول بإصلاح الشركة، إلا أن المافيا داخل “خالدة” تبدو أقوى من الوزارة ومن صلاحيات الوزير نفسه، فالفساد يتوغل بلا توقف ولا ردع.
التعيينات: مالك ووساطتك تحسم وظيفتك
تعيينات “خالدة” لها طريقان: إما أن تكون مدعومًا من شخصيات نافذة في الشركة، أو لديك القدرة على دفع مبالغ مالية طائلة للحصول على الوظيفة. يترأس هذه الشبكة مدير عام يُلقب بـ “زعيم العصابة”، قام بتعيين اثنين من أبناء شقيق زوجته، فيما عيّن مدير آخر ابنيه الاثنين في الشركة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تم اكتشاف أن أحد المديرين كان يتقاضى راتبًا من “خالدة” رغم أنه يعمل أيضًا في شركة بترول أخرى هي “بريتش جاز”.
بالإضافة إلى ذلك، أحد المديرين قام بتعيين مئات من أبناء محافظته وقريته، وأفراد من عائلته وعائلة زوجته، فيما أشار العاملون إلى أن السكرتيرات ومديري مكاتب المديرين قد استفادوا من تعيينات لذويهم في مناصب مرموقة.
تشير مصادر داخل الشركة إلى أن مديرًا واحدًا فقط استطاع تعيين 650 فردًا، بينما قام آخر بتعيين أكثر من 350 شخصًا، ومدير ثالث عيّن 150 شخصًا، من بينهم شقيقه الذي تم فصله بعد تورطه في بيع السولار الخاص بالمواقع والذي تصل قيمته إلى مئات الآلاف من الجنيهات.
التحقيقات كشفت أن المدير المتورط ساعد شقيقه في هذه الجريمة، إذ قام بتزوير الكميات المسلّمة للمواقع، ورغم كل الأدلة، تم إنقاذه من العقاب لحماية مصالح الشبكة.
الترقيات والمحسوبية: “الولاء قبل الكفاءة”
لا يتوقف الفساد عند التعيينات فحسب، بل يمتد ليشمل الترقيات، حيث تم ترقية موظفة لم تكن تعمل بالشركة أصلاً لأنها كانت ترافق زوجها في الخارج، ومع ذلك تم تعيينها كمدير عام مساعد! قصة أخرى تتعلق بامرأة تعمل في إدارة العقود التي استطاعت تعيين زوجها الذي يعمل كعامل رخام في الشركة تحت مسمى “عامل ماهر”.
لجان التعيين: واجهة لنهب الأموال
لجان التعيين في “خالدة” تشكل واجهة أخرى لإهدار المال العام. تم الإعلان عن وظائف شاغرة في الشركة، وتقدم الآلاف من المرشحين. استمرت المقابلات لأكثر من مئة يوم، وكان كل عضو في اللجنة يتقاضى 2000 جنيه يوميًا، ليصل مجموع ما يحصل عليه العضو إلى 200 ألف جنيه.
وفي النهاية، تم تعيين فقط 100 شخص تم اختيارهم مسبقًا من الأقارب والمحسوبين ومن يدفعون الرشاوى، بينما عاد الآلاف من المحافظات بخفي حنين بعد إنفاق أموالهم على الإقامة والسفر.
تجميل وتخسيس المديرات: الملايين لهوانم “خالدة”
في حين تعجز “خالدة” عن توفير علاج بسيط للعاملين في الحقول لا تتجاوز قيمته 100 جنيه، يتم إنفاق 4 ملايين جنيه سنويًا على عمليات تجميل وتخسيس وتدبيس المعدة لمديرات المكاتب وسكرتارية المديرين.
الأدهى من ذلك أن هذه العمليات تتم من فائض مخصصات العلاج في الشركة، ويتم التستر على هذه الفضائح التي تكشف مدى عبث إدارة “خالدة” بالأموال العامة. في إحدى الوقائع، تم فصل موظف صغير لأنه قدم فاتورة وهمية بقيمة ألف جنيه، بينما لم تتخذ الشركة أي إجراءات ضد المتورطين في عمليات التجميل الفاضحة.
الشريك الأجنبي: تحايل على القانون
الشريك الأجنبي لشركة “خالدة” يمثل غطاءً لتحايل كبار المسئولين على القانون. عندما يبلغ أحد أعضاء الشبكة سن المعاش، يتم تعيينه من جديد عبر الشريك الأجنبي براتب أعلى بكثير من راتبه السابق، ومن بينهم مدير عام المشروعات ورئيس اللجنة النقابية.
كما يتم منح خطوط هواتف محمولة فاخرة كهدايا للمديرين وسكرتارياتهم، ويستمر تمديد عقود المسئولين بالمخالفة للقانون.
كلاب الحراسة: رفاهية على حساب الدولة
أما الفساد في “خالدة” فلا يتوقف عند التعيينات والمحسوبية، بل يصل إلى حد التعاقد على حراسة المباني الإدارية بكلبين مقابل 33 ألف جنيه شهريًا، أي 396 ألف جنيه سنويًا! ليس هذا فحسب، بل إن الشركة ملتزمة بتوفير وسائل نقل مناسبة للكلبين، ومساحات من الرخام أو الموكيت لجلوسهما، في مشهد يثير السخرية والدهشة.
والأغرب من ذلك، أن أحد الكلبين قد هرب من الخدمة، وهو ما دفع أحد العاملين في الشركة لاقتراح تأجير كلبه الخاص مقابل مبلغ أقل!
استغاثات العاملين في الحقول: تجاهل وحرمان
في الوقت الذي تتبجح فيه الشركة بإهدار الأموال على توافه الأمور، يعاني العاملون في الحقول من نقص وسائل النقل والمعدات الضرورية لأداء عملهم. العاملون يشتكون من عدم صرف الحوافز والمكافآت التي تقتصر على “المحاسيب” فقط، وسط صرخات لا تجد من يسمعها.
إحدى صور الفساد تتمثل في تجديد التعاقد مع مدير عام المهمات رغم اتهامه بإهدار 11 مليون دولار على شراء معدات فائضة وغير مستخدمة، فيما يتم تعيين “مهندسين استشاريين” يتقاضون آلاف الجنيهات دون أن يحملوا مؤهلات هندسية.
العاملون في مواجهة العصابة: “لا أمل في الإصلاح”
رغم شكاوى العاملين المتكررة وتقديمهم بلاغات رسمية ضد الفساد، إلا أن أحدًا لم يتحرك. الفساد في “خالدة” أصبح راسخًا، وقادة الشركة يمارسون النهب المنظم دون خوف من المساءلة.
العاملون يرفعون شعار “القافلة تسير”، فقد تسرب اليأس إلى نفوسهم وأصبحوا لا يثقون في أي وعود بالإصلاح. “نشكو لمين؟” هكذا يردّدون، بعدما أصبحت “خالدة” وكأنها عصابة يديرها مجموعة من الفاسدين المحميين، حتى من أعلى المستويات.
ما يحدث في “خالدة للبترول” ليس مجرد فساد إداري، بل هو مثال صارخ على كيفية إهدار أموال الدولة تحت غطاء من التواطؤ والصمت، في وقت يعاني فيه المواطنون من أزمة في الوقود والطاقة.