مصر تعيش في أزمات متتالية تتفاقم يومًا بعد يوم بسبب تقاعس الحكومة في القيام بواجباتها تجاه المواطنين، بينما تتواصل ممارسات الفساد في الدوائر الحكومية وتزداد معاناتهم.
ورغم التصريحات الرسمية التي تدعي الإصلاح والتحسين، إلا أن الواقع يكشف عن حقيقة مؤلمة، تتمثل في الفشل المستمر للحكومة المصرية في تحسين الأوضاع الاقتصادية والخدمية للمواطنين، خصوصًا في قطاع الكهرباء والطاقة.
بل إن هناك شبكات من الفساد تعمل على تعزيز مصالح المسؤولين وأقاربهم على حساب مصلحة الوطن، وهو ما جعل الدولة المصرية تتراجع في معظم المجالات التنموية.
البداية تكشف عن الأوضاع المزرية التي يعيشها قطاع الكهرباء في مصر، وهو القطاع الذي تسيطر عليه الشركة القابضة لكهرباء مصر. وتستمر هذه الشركة في إهدار الأموال العامة وتجاهل الحلول العملية لأزمات الطاقة المتجددة التي تؤرق المواطنين.
بينما تواصل الحكومة تقاعسها وتغض الطرف عن فضائح الفساد المتمثلة في توظيف الأشخاص غير المؤهلين في المناصب القيادية داخل هذه المؤسسات.
كما أن الحكومة لم تتخذ أي خطوة حقيقية لتحسين البنية التحتية للطاقة، في حين يتعرض المواطنون لانقطاعات متكررة للكهرباء، الأمر الذي يعكس فشل المسؤولين في التعامل مع الأزمة المستمرة.
الفساد لا يقتصر على قطاع الكهرباء فقط، بل يمتد إلى جميع الوزارات الكبرى في الحكومة المصرية. أبرز الأمثلة على ذلك تكمن في تعيينات أقارب المسؤولين في المناصب الحساسة داخل وزارة البترول والشركات التابعة لها.
تتضح هذه الصورة أكثر من خلال شخصيات بارزة في الوزارة، مثل المهندس طارق الملا، وزير البترول السابق، الذي يعتبر أحد الشخصيات المحورية في هذا الملف. الملا قام بتعيين عدد من المقربين منه في المناصب العليا، وهو ما يعكس حجم المحسوبية المتفشية في هذا القطاع الحيوي.
أحد الأسماء البارزة في هذه الشبكة الفاسدة هو حسن شوقي، مدير مكتب رئيس الوزراء، الذي انتقل للعمل في منصب نائب رئيس الشركة المصرية لاثيلين، “سيدكو”، رغم أنه كان منتدبًا للعمل في رئاسة الوزراء.
هذه التعيينات لم تكن مجرد ترقيات وظيفية بل كانت تعبيرًا عن شبكة من الفساد، حيث قام حسن شوقي بالحصول على راتب مزدوج من جهتين مختلفتين، الأمر الذي يخالف قوانين العمل في مصر.
كما أن حسن شوقي كان قد عمل في وزارة البترول، حيث كان يشغل منصب مدير مكتب وزير البترول في عهد كل من سامح فهمي وعبد الله غراب وأسامة كمال، وهو ما يعكس استمرار هذه الممارسات على مدار سنوات.
من بين الأسماء الأخرى التي ظهرت في هذا السياق هو شريف شوقي، المتحدث السابق باسم رئاسة الوزراء، الذي تم انتدابه للعمل نائبًا لرئيس شركة “جاسكو” للبترول، على الرغم من أنه لا يزال يعمل في منصبه برئاسة مجلس الوزراء.
هذه التعيينات قد تسببت في تكوين شبكة من الفساد، حيث استمرت الرواتب المزدوجة والمكافآت المبالغ فيها، ما أثر على قدرة الحكومة على تنفيذ أي إصلاحات حقيقية في قطاع البترول.
وفي إطار المحسوبيات داخل وزارة البترول، ظهر مصطفى إسماعيل، نجل شقيق رئيس الوزراء، الذي حصل على منصبين في وزارة البترول: الأول في شركة ميدور للبترول والثاني في الهيئة العامة للبترول.
حصل مصطفى إسماعيل على مكافآت ورواتب مزدوجة من الشركتين، رغم أن البلاد تعاني من نسب بطالة مرتفعة، ما يعكس حجم الاستهتار بمقدرات الشعب المصري من قبل الحكومة والمسؤولين.
أما في ما يتعلق بقطاع الإسكان، نجد أن مشروع الإسكان بشركة جاسكو أصبح نموذجًا آخر للفساد والتعثر. منذ أكثر من سبع سنوات، أعلنت جمعية إسكان موظفي شركة جاسكو عن نيتها في بناء مجمع سكني في العاصمة الإدارية، وتحديدًا في المنطقة R7.
وتضمن الإعلان الأول أن سعر المتر للشقق سيكون 6000 جنيه وللفيلات 12000 جنيه. ومع مرور الوقت، واجه الموظفون زيادة في الأسعار بشكل غير مبرر، حيث تم رفع أسعار المتر إلى 1200 جنيه إضافية للشقق و20000 جنيه للفيلات، ما أثار غضب الموظفين الذين دفعوا الأقساط طوال هذه السنوات دون أي تقدم في المشروع.
في تطور آخر مثير للجدل، ذكر موظفون أن رئيس مجلس إدارة الشركة ياسر صلاح قام بتحميل الموظفين المسؤولية عن تبديد أموالهم في المشروع، في حين كان هو وآخرون من كبار المسؤولين في قطاع البترول يشغلون الفيلات ضمن هذا المشروع السكني.
كما تم الكشف عن ضغوط مارسها أحد القيادات في الوزارة على الشريك المطور لإعادة تخصيص الفيلات لأفراد من قيادات قطاع البترول، ما يعكس الفساد والتلاعب المستمر في الأموال العامة.
الوثائق التي تم تسريبها تؤكد أن وزارة الإسكان، من خلال قرارها رقم 693 لسنة 2019، قد تواطأت مع شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية لتمرير هذه التخصيصات الخاصة بالأراضي المخصصة لمشروع فينيا. وقد تم طرح 100 وحدة سكنية كدفعة أولى، مع العلم أن أسعار المتر تراوحت في آخر فترة بين 8200 جنيه و9500 جنيه.
إن هذه الحقائق تتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات الرقابية والمحاسبية لإيقاف هذا العبث المستمر بالمقدرات الوطنية. الحكومة المصرية فشلت في أن تكون على مستوى المسؤولية، وبات الفساد متفشيًا في كل ركن من أركانها، سواء في قطاع الكهرباء أو البترول أو الإسكان. وتبقى الحقيقة القاسية أن المواطن المصري هو من يدفع الثمن في هذا المشهد المؤلم.