يستمر مسلسل تدهور قطاع الكهرباء في مصر، ويعاني المواطنون من ممارسات فساد وسوء إدارة داخل شركة كهرباء البحيرة، التي تُعتبر واحدة من أكبر شركات توزيع الكهرباء في مصر.
وفيما يواصل الفساد مستشريًا داخل أروقة الشركات الحكومية، تُثار العديد من التساؤلات حول دور القيادات في هذه الشركات وتواطؤهم مع بعضهم البعض في استغلال موارد الدولة على حساب المواطنين.
وقد كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن قضايا فساد ضخمة تهدد استقرار القطاع وتضع أعباءً ثقيلة على المواطن البسيط.
أزمة فساد في شركة كهرباء البحيرة
من أبرز الأزمات التي كشفت عنها التقارير الرسمية هو التقرير رقم 270 الصادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات، والذي كشف عن استباحة شركة كهرباء البحيرة لأموال الوحدات المحلية في نطاق محافظة البحيرة.
حيث أظهر التقرير أن الشركة قامت بتحصيل مبلغ 96 مليونًا و188 ألفًا و425 جنيهًا من الوحدات المحلية عن استهلاك أعمدة الإنارة العامة، على الرغم من أن التكلفة الفعلية لاستهلاك الكهرباء في هذه الأعمدة تتراوح بين 18 جنيهًا و41 جنيهًا شهريًا فقط، إلا أن الشركة كانت تقوم بتحصيل مبالغ أعلى بكثير، مما يكشف عن فساد مالي ضخم.
إدارة الشركة على نهج المحسوبية
وفي إطار التحقيقات في هذا الفساد، تبين أن شركة كهرباء البحيرة تعيش تحت إدارة غير كفؤة حيث استمر تهميش الكفاءات الشابة لصالح القيادات القديمة التي لا تتمتع بالكفاءة المطلوبة.
وعلى سبيل المثال، جرى نقل طارق الشافعي، رئيس شركة كهرباء البحيرة، إلى جنوب القاهرة ليحل محله نائب رئيس شركة كهرباء جنوب القاهرة، في حركة تبديل لم تُسهم في تحسين الوضع بل عكست سياسة “لعبة الكراسي” التي تتكرر في قطاع الكهرباء.
كما تكشف التقارير عن أن تلك القيادات يتمسك بعضها بالمناصب العليا ويظل يستفيد من البدلات والمزايا التي تتجاوز رواتب قيادات الدولة.
على سبيل المثال، يتقاضى بعض رؤساء الشركات وأعضاء مجالس الإدارة في شركات الكهرباء ما يتجاوز 200 ألف جنيه شهريًا، بل أن البعض منهم يصل دخلهم الشهري إلى 600 ألف جنيه، وهو ما يفوق بكثير أجور رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
غرامات تأخير ورفع استهلاك الكهرباء
تُضاف إلى هذه الممارسات الفاسدة قضية جديدة تمثلت في فرض غرامات تأخير مركبة على فواتير الكهرباء بنسبة 14% على المواطنين، وهي نسبة تُفرض في جميع شركات توزيع الكهرباء التسع في مصر.
وتستمر سياسة رفع الاستهلاك غير المبرر، حيث يتم تحميل المواطنين فوائد تأخير على استخدام العدادات الكودية مسبقة الدفع، التي لا تفصل الكهرباء عند نفاد الرصيد مما يؤدي إلى تراكم المديونيات على المواطنين.
الفضيحة الكبرى: فساد في تركيب العدادات
في شركة كهرباء الدلتا، تم اكتشاف أن العدادات المسبقة الدفع لا تقوم بفصل الكهرباء عند نفاد الرصيد، مما يزيد من نسبة الفقد الكهربائي ويؤدي إلى تراكم مديونيات على المواطنين.
وعند اكتشاف الأمر، بدأت الشركة في سحب العدادات المعيوبة من المنازل بحجة أنها تالفة، وأخذت من المواطنين ثمن العدادات الجديدة التي تم تركيبها.
وتستمر هذه الممارسات في جميع شركات توزيع الكهرباء، حيث يتم تحميل المواطنين تكاليف العدادات الجديدة وتركيب العدادات العشوائية المعيوبة.
وقد فرضت شركة كهرباء الدلتا أيضًا فائدة تأخير بنسبة 14% على كل من تأخر في سداد فواتير الكهرباء، مما زاد من مديونيات المواطنين بشكل غير مبرر.
كما أن شركتي كهرباء البحيرة والدلتا لا تكشفان عن نسب الفقد الحقيقية في الشبكة الكهربائية، وتكتفيان بتسجيل أرقام وهمية عن معدلات الفقد والتقليص، فيما تظل الشكاوى تتزايد بشأن ارتفاع الفواتير.
أزمات متراكمة وغياب المساءلة
في ظل هذه الممارسات الفاسدة، لا تزال شركات توزيع الكهرباء تواجه أزمات خطيرة تتعلق بالتحصيل وزيادة معدلات الفقد الكهربائي.
فعلى الرغم من تعيين مستشارين تجاريين وماليين في الشركات مثل عادل إسماعيل رئيس القطاعات التجارية، والذي هو في ذات الوقت شقيق زوجة رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، جابر دسوقي، إلا أن الأوضاع لم تتحسن.
بل أُضيفت إلى الأزمات أزمة التقارير المغلوطة حول نسب الفقد ونسب التحصيل، والتي تُخفى من أجل تحقيق مكاسب خاصة.
غياب الرقابة الرسمية: حماية للفساد
تستمر شركات الكهرباء في التهرب من المساءلة على الرغم من وجود تقارير وشهادات تشير إلى حجم الفساد الكبير في القطاع.
ويأتي ذلك بسبب وجود شبكة حماية من القيادات والمسؤولين الكبار داخل الحكومة وخارجها، وهو ما يجعل من الصعب التحقيق في القضايا المرتبطة بالفساد داخل شركات الكهرباء. وعند محاولات كشف هذه الفضائح، يتدخل المسؤولون لحماية المتورطين، مما يحول دون اتخاذ أي إجراء جاد ضدهم.
التوصيات: ضرورة الإصلاح الجذري
إن الوضع الراهن في قطاع الكهرباء يفرض ضرورة القيام بإصلاح جذري شامل للقطاع، يتضمن محاسبة المسؤولين عن الفساد والإخفاقات، وإعادة هيكلة شركات الكهرباء بما يتناسب مع المعايير المهنية، كما يجب أن يتم اعتماد سياسات شفافة في إدارة الفواتير وتحصيل الإيرادات.
وعلى الدولة أن تتحرك بسرعة لإنقاذ قطاع الكهرباء من مستنقع الفساد، وإلا فإن الأوضاع ستزداد سوءًا، وتستمر معاناة المواطنين الذين يتحملون تبعات هذه الأزمات كل يوم.
يستمر قطاع الكهرباء في معاناته بسبب الفساد وسوء الإدارة. إن الأزمات المتراكمة في شركات توزيع الكهرباء، وخاصة في شركة كهرباء البحيرة، تمثل تحديًا حقيقيًا للمواطنين وللدولة.
ومع استمرار الأوضاع على هذا النحو، فإن الحلول الوحيدة المتاحة تتمثل في محاسبة المسؤولين، وإعادة هيكلة القطاع، وتنفيذ رقابة فعالة على الشركات التابعة للكهرباء.
وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة، فإن القطاع سيظل يعاني من أزمات مستمرة تضر بالمواطنين وتزيد من حجم الخسائر المالية للدولة.