تواصل شركة “خالدة” للبترول سلسلة الحوادث المتكررة التي أثارت استياءً واسعًا بسبب الخسائر المادية الكبيرة وإهدار المال العام، آخرها حريق جديد شبّ داخل معسكر الإعاشة بمنطقة السلام بالساحل الشمالي، التي تتبع الشركة.
هذا الحريق يأتي بعد أقل من أسبوعين فقط من حادثة أخرى تمثلت في اشتعال حريق بخط غاز “أبو الغراديق – دهشور”، وهو الخط الذي يبعد نحو 15 كيلومترًا عن مدينة 6 أكتوبر. تسببت هذه الحادثة في خسارة حوالي 20 ألف برميل من النفط، ناتجة عن كسر في مواسير الخط.
تزداد التساؤلات حول التكتم الشديد الذي يحيط بهذه الحوادث، حيث لم تكشف الشركة عن الأسباب الحقيقية وراء تكرارها. بالإضافة إلى ذلك، وقع انفجار آخر في منطقة “توت” دون توضيح الأسباب، فيما شهدت مستودعات “كهرمان” حادثة انفجار أخرى.
وتقدر الخسائر الناتجة عن هذه الانفجارات بما يزيد على 11 مليون دولار، حيث تعاني الشركة من سوء إدارة في التوريدات والمواد الاحتياطية، مما يسبب أضرارًا كبيرة.
ورغم أن الشركة لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار هذه الحوادث، إلا أن تدهور منظومة الأمن الصناعي وسوء الإدارة بات واضحًا من خلال تكرار هذه الحرائق على فترات متقاربة، مما يدل على عدم كفاءة القائمين على سلامة وأمن العمال والممتلكات في الشركة.
ورغم مطالبات الجهات الرقابية ووزير البترول بفتح تحقيق شامل في هذه الحوادث ومراجعة الملفات المتعلقة بالفساد المالي والإداري، إلا أن الاستجابة ما زالت ضعيفة حتى الآن.
الأمر لا يقتصر على الحرائق فقط، بل يشمل أيضاً شبهات استئجار معدات غير مطابقة لمواصفات السلامة والصحة المهنية. تشير التقارير إلى أن هذه المعدات تُعرض حياة العاملين للخطر وتفاقم من مشاكل الشركة.
كما تشير شبهات أخرى إلى استئجار معدات إنتاج بمبالغ ضخمة لتسريع عمليات الإنتاج في منطقة توسعات حقل “كلابشة”، وهو الأمر الذي يُقال إنه يخدم مصلحة الشريك الأجنبي أكثر من الجانب المصري. وكانت هذه المعدات، المستأجرة من شركة “بيكو” بمبالغ تفوق 100 ألف دولار شهريًا، قد تعرضت لحريق كبير كاد أن يتسبب في كارثة لولا العناية الإلهية التي أنقذت العاملين.
وبالرغم من تعرض المعدات للحريق وتوقفها عن العمل لأشهر، استمرت الشركة في دفع مبالغ ضخمة مقابل استئجارها دون استخدام فعلي لها.
يشير ذلك إلى وجود خلل في منظومة اتخاذ القرارات داخل الشركة، إذ أنه لم يتم التوقف عن استخدام المعدات أو البحث عن بدائل أكثر كفاءة.
تقارير أخرى تشير إلى تجاوزات مالية وإدارية تتعلق بمشروع “مصنع غازات القصر” بالصحراء الغربية، حيث تشير المستندات المقدمة للنائب العام إلى وجود فائض في المهمات يبلغ نحو 70 مليون جنيه مصري. هذا الفائض، الذي تراكم خلال خمس سنوات، يكشف عن ضعف في التخطيط والإدارة.
تقارير لجان الجرد المكونة من ممثلي الشركة والهيئة المصرية للبترول أكدت وجود كميات كبيرة من المواد التي لم تُستخدم والتي تم تركها في العراء لفترة طويلة دون جدوى.
كما تبرز مشكلة سوء استغلال الفوائض في مشروعات أخرى، مثل مشروع “محطة ضواغط الغاز” في العلمين. تشير التقارير إلى مخالفات فنية وإدارية لم يتم التحقيق فيها بشكل موسع حتى الآن.
وقد بدأت الأجهزة الرقابية، بما في ذلك الجهاز المركزي للمحاسبات ومباحث الأموال العامة، في جمع المعلومات وفتح تحقيقات، ولكن هذه التحقيقات لم تسفر عن أي إجراءات ملموسة حتى اللحظة.
تقرير لجنة الجرد الأخير أشار إلى نفس الملحوظات التي وردت في تقارير سابقة حول وجود رصيد كبير من فوائض المهمات من مشروعات أخرى، مثل مشروع “القصر – مرحلة ثانية” و”محطة ضواغط العلمين”.
لم تقم إدارة الشركة حتى الآن بحصر هذه الفوائض وتسعيرها، مما يثير تساؤلات حول أسباب التأخير والمصلحة في ذلك.
في ظل كل هذه التجاوزات، قامت الشركة بشراء سيارات فاخرة بتكلفة تصل إلى 70 ألف دولار للسيارة الواحدة، تحت ذريعة نقل الوقود إلى المولدات الموجودة بجوار الآبار.
ولكن بدلاً من تحسين ظروف السلامة للعاملين في المواقع الصحراوية الوعرة، تم تخصيص هذه السيارات لنقل الوقود، ما يزيد من تساؤلات حول أولويات الشركة واستخدامها للأموال.
إلى جانب ذلك، تكررت حوادث الحرائق في مواقع الشركة دون اتخاذ أي إجراءات تصحيحية، مما يدل على تسيب المسؤولين عن الأمن الصناعي.
لم يتم التحقيق بشكل جدي في أسباب هذه الحرائق، بل تم تجاهلها، مما يفتح الباب أمام مزيد من الحوادث في المستقبل.
يُذكر أن الشركة قامت أيضًا باستئجار مجموعة من الطلمبات الخاصة بشحن الزيت الخام من شركة “power house”، لكن هذه الطلمبات لم تُستخدم حتى بعد استكمال تركيب الخطوط الخاصة بها، مما أدى إلى إهدار مبالغ كبيرة دون فائدة.
كما تعرضت الشركة لموقف مثير للسخرية عندما أرسلت أحد مسؤوليها إلى الولايات المتحدة لشراء سيارة إسعاف، فقط ليكتشف لاحقًا أن السيارة غير صالحة للاستخدام في مصر بسبب عدم توافق الوقود المصري مع مواصفات المحرك الأمريكي.
وعندما حاولت الشركة إصلاح السيارة، تبين أن تكلفة الإصلاح تفوق تكلفة شراء سيارة جديدة. ولم يكن أمام الشركة إلا استئجار سيارة إسعاف محلية الصنع بتكلفة يومية بلغت 1500 جنيه، وهي تكلفة تجاوزت قيمة شراء سيارة جديدة.
في جانب آخر، يبرز الفساد في مشروعات أخرى، مثل “مشروع ضواغط العلمين” الذي تعرضت الشركة فيه لخسائر تقديرية تتجاوز 15 مليون دولار بسبب سوء التوريدات والتعاقدات.
كما تم استئجار وحدة لفصل الغازات والمتكثفات من شركة “سيجما”، ولكن بعد الانتهاء من التركيبات والتجهيزات، تبين أن الوحدة غير مجدية، مما يثبت مرة أخرى أن التخطيط في الشركة يعاني من فوضى وتخبط كبيرين.
هذا الكم الهائل من الفساد وسوء الإدارة داخل “خالدة” للبترول يعكس أزمة عميقة في قطاع البترول المصري ككل. تتراكم الديون على القطاع ليصل إلى أكثر من 90 مليار جنيه، في الوقت الذي يُفترض أن يكون قطاع البترول أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.
ومع ذلك، يبدو أن وزارة البترول لا تبالي بما يحدث، إذ تربط بين مسؤوليها علاقات وثيقة تجعلهم يغضون النظر عن تجاوزات بعضهم البعض.
ورغم تكرار الشكاوى بشأن أداء الشركة الإسلامية المتعاقدة على تقديم خدمات التغذية والنظافة، إلا أن علاقتها الوثيقة بقيادات قطاع البترول جعلت استمرارها دون محاسبة أمرًا واقعًا. وهو ما يبرز تفشي الفساد الإداري والمالي بشكل يهدد كفاءة القطاع وفاعليته.
فإن ما يحدث في “خالدة” للبترول ليس إلا نموذجًا لما يجري في العديد من شركات قطاع البترول. هذا القطاع الذي يعاني من فساد ممنهج يستنزف ثروات البلاد ويهدد مستقبلها الاقتصادي.
حان الوقت لإجراء تحقيقات شاملة وتغيير القيادات الفاسدة، فبدون إصلاح جذري لن يتمكن القطاع من التعافي، ولن تتحقق مطالب الشعب بحياة كريمة تعتمد على إدارة نزيهة وشفافة لموارد البلاد.