من أمن العقاب أساء الأدب: فساد الهيئة العامة لقصور الثقافة في الصعيد مستمر
في فضيحة جديدة تكشف عن فساد لا مثيل له في الهيئة العامة لقصور الثقافة، يظهر بوضوح تقاعس المسؤولين عن أداء مهامهم واستخفافهم بالقوانين والأخلاقيات المهنية.
البداية كانت مع انقطاع عماد فتحي مدبولي، رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي، عن عمله لمدة 40 يومًا متواصلة، دون أي مبرر قانوني أو إداري.
رغم أن هذا يُعد مخالفة صارخة، فإن نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة محمد ناصف، الذي اعتاد على تغطية الفساد والتستر عليه، لم يُظهر أي رغبة في محاسبة المسؤولين والذي ينتهج سياسة “تسوية الأمور” وعدم التحقيق في المخالفات المنسوبة للقيادات العليا، تم إحالة الموضوع إلى إدارة الفتوى بالشئون القانونية التي قامت بتسوية مدة المأمورية ومدة الإجازة، بينما ظل انقطاع عماد فتحي مدبولي بدون سبب مبرر، في تجاهل تام للقانون.
كان يجب أن يتم إحالة الأمر إلى النيابة الإدارية باعتبار أن عماد فتحي مدبولي يعتبر من القيادات العليا في الهيئة ولكن للأسف الشديد، تم التستر على هذه المخالفات من قبل ناصف الذي أخفى الأوراق المتعلقة بالقضية وأوقف التحقيقات.
ولم يتوقف هذا الفساد عند هذا الحد، بل استمر في الظهور بكل وضوح خلال زيارة وزير الثقافة أحمد هنو إلى إقليم وسط الصعيد الثقافي وإقليم جنوب الصعيد الثقافي في نهاية شهر أكتوبر 2024.
حيث وصف وزير الثقافة صراحة في اجتماع مع محمد ناصف نائب رئيس الهيئة قائلاً بأن ضياء مكاوي وعماد فتحي بأنهم لا يصلحون لإدارة حتى مكتبة صغيرة. رغم هذا التصريح الجريء، لم يُتخذ أي إجراء حقيقي لوقف الفوضى، ما يعني أن الفساد والتسيب لا يزالان يهيمنان على الوضع الإداري في الهيئة العامة لقصور الثقافة.
ورغم هذه التصريحات الواضحة، لا شيء قد تغير في الواقع. إن الفشل لا يزال مستمرًا على جميع الأصعدة في الهيئة العامة لقصور الثقافة.
أما الفضيحة الأبرز فجاءت استجابة لما نشره موقع “أخبار الغد” عن الفساد الأخلاقي والمالي والإداري الذي يمارسه ضياء مكاوي القائم بأعمال رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي، المنتهي تكليفه بتسيير أعمال رئاسة إقليم وسط الصعيد الثقافي في 22 نوفمبر الماضي فقد تم إصدار تعليمات سرية برفع توقيعات مكاوي من كافة المستندات والوثائق المالية والإدارية الخاصة بالإقليم، ليحل مكانه محمد عبدالحافظ ناصف نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، الذي بدأ بالتوقيع على الأوراق الخاصة بالإقليم.
ومع ذلك، فقد أصر مكاوي على الاستمرار في استخدام منصب مدير عام فرع ثقافة أسيوط رغم انتهاء تكليفه في 6 ديسمبر 2024، بل وواصل استخدام سيارات إقليم وسط الصعيد الثقافي في تنقلاته الخاصة، ما يعد إهدارًا صارخًا للمال العام.
لكن هذه الممارسات لم تقف عند هذا الحد. فقد أصر ضياء مكاوي الذي لا يتورع عن التزوير واستخدام مناصب لم يشغلها، استمر في استخدام مكتب مدير عام فرع أسيوط رغم أنه قد انتهت مهمته في هذا المنصب منذ السادس من ديسمبر الحالي.
والمهزلة لم تنته هنا. لقد استحدث لنفسه لقب “وكيل وزارة الثقافة”، وفي وقت لاحق، قام مكاوي، الذي كان يعتقد نفسه “وزيرًا” في الثقافة، بدعوة الصحفيين والإعلاميين لحضور مؤتمر تحت عنوان “دعم وتمكين ذوي الإعاقة نحو مجتمع أكثر شمولية”
ثم كانت المفاجأة الكبرى في تجاهله العمدي لدعوة الصحفيين المعنيين بالشأن الثقافي من موقع “أخبار الغد” ما يثير تساؤلات مشروعة حول ما إذا كان هذا التصرف قد تم بتوجيهات من القيادات العليا في رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة ووزارة الثقافة، اللتين تعمدتا إقصاء الصحفيين الذين يفضحون فسادهم ويفضحون عجزهم عن القيام بمهامهم.
فهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تجاهل موقع “أخبار الغد” حيث سبق أن تم تجاهل دعوتنا في تغطية فعاليات مهرجان التحطيب في الأقصر وهذا التصرف يكشف بوضوح عن نية مبيتة لإخفاء الحقائق وتغطية الفساد المستشري في الهيئة؛ حيث يسعى المسؤولون إلى منع أي متابعة مستقلة تكشف تجاوزاتهم وإدارتهم الفاشلة، مؤكدين بذلك إصرارهم على تكريس سياسة التعتيم والتستر على الفشل والفساد الذي ينخر في جسد الهيئة.
وهذه الوقائع تكشف بوضوح أن نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة محمد ناصف لا يزال يحمي القيادات الفاشلة ويقوم بحمايتها بشكل مستمر.
ومن أبرز هذا الفشل فضيحة أخرى تكشف حجم الإهمال والتقصير، كانت زيارة وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو إلى قصر ثقافة حسن فتحي بالقرنة التابع لفرع ثقافة الأقصر، حيث فوجئ الوزير بأن القصر مغلق تمامًا.
وعندما تم فتحه، اكتشف الوزير أن المكان كان في أسوأ حالاته، حيث كانت أكوام القمامة تتراكم في كل مكان، مما يوحي بأن الموقع لم يتم فتحه منذ فترة طويلة ومما يثير الشكوك حول مدى فاعلية رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي، عماد فتحي، في القيام بمهامه في إدارة المنطقة وعدم تحمل مسؤولياته.
هذا الموقف يعكس بوضوح الفشل الإداري المستمر في كافة أرجاء إقليم جنوب الصعيد، في ظل غياب أي نوع من الرقابة أو المحاسبة.
إن هذه السلسلة من المخالفات والفضائح تمثل واقعًا مريرًا لا يمكن التغاضي عنه، وتكشف بوضوح عن وجود خلل عميق في الهيئة العامة لقصور الثقافة ووزارة الثقافة التي تسمح باستمرار هذه الممارسات الفاسدة دون أي إجراءات حقيقية للتصحيح.
وكأن هذه الهيئات قد أصبحت أرضًا خصبة للممارسات الفاسدة التي لا يتم التصدي لها من قبل الجهات المعنية، بدءًا من وزارة الثقافة وصولًا إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة.
إن الوضع الراهن يتطلب تحركًا سريعًا من قبل وزارة الثقافة لمعالجة هذه الفوضى الإدارية والمالية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المسؤولين عن هذه المخالفات، ولكن إذا استمر الوضع على هذا المنوال، فإن الأمور ستظل كما هي ولن تتغير شيئًا.
في الوقت الذي تتزايد فيه الفضائح التي تشمل التزوير والإهدار للمال العام والتهرب من المسؤوليات، يتأكد أن الفساد في الهيئة ليس مجرد مشكلة فردية، بل ظاهرة منظمة تحتاج إلى تدخل عاجل وحاسم من وزارة الثقافة.
إن ما يحدث اليوم في إقليم وسط الصعيد الثقافي وجنوب الصعيد الثقافي هو نتيجة مباشرة لإدارة فاشلة تتستر على الفساد وتنقلب على القيم والمبادئ التي من المفترض أن تمثلها الهيئة.
من الواضح أن من أمن العقاب أساء الأدب، وأن الفساد سينمو بشكل أكبر إذا استمر السكوت على هذه التجاوزات.
فالتقاعس عن اتخاذ إجراءات حقيقية يعني أن ثقافة الفساد ستظل هي السائدة، وستظل الوزارة في حالة سبات عميق لا تهتم بمحاسبة الفاشلين والمتورطين في هذه الفضائح التي باتت تهدد مصداقية الهيئة بأكملها.