فضائح الفساد في قصر ثقافة طهطا: سرقة المال العام وتواطؤ المسؤولين بالهيئة
في إطار سلسلة من الفضائح المستمرة التي تشهدها الهيئة العامة لقصور الثقافة، تظهر بوضوح صورة التدهور الذي يعصف بقصر ثقافة طهطا في سوهاج، حيث يُسجل يومًا بعد يوم إهدار للمال العام، وتجاوزات إدارية وفساد متفشي.
ورغم أن وزارة الثقافة تُوكل إليها مسؤولية رعاية الأنشطة الثقافية والفنية في جميع أنحاء مصر، إلا أن الوضع في هذا الإقليم يعكس حالة من التراخي والتقاعس المريب في أداء واجباتها، مما يثير تساؤلات حول دورها في محاربة الفساد وحماية المال العام.
مدير قصر ثقافة طهطا غائب عن مهامه ويغض الطرف عن التجاوزات
منذ أن تولى علاء فرج منصب مدير قصر ثقافة طهطا، بدأت تظهر بشكل واضح الفوضى الإدارية التي تسود المكان. أولى هذه التجاوزات تمثلت في تكليف محمد محفوظ، مسؤول المواهب بالقصر، والذي أُعطي صلاحيات غير محدودة، منها استحواذه على دفتر الحضور والانصراف، مما تسبب في صراع بينه وبين مدير الموقع ومدير الشئون الإدارية.
ومن ثم، تم تقسيم القصر إلى جبهات وتحزبات بين موظفي “جهينة” و”طهطا”، حيث أصبح محمد محفوظ يسعى لجذب الموظفين من خلال ممارسات غير قانونية، بل وتسهيل غيابهم عن العمل في محاولة للسيطرة على القصر.
الغريب في الأمر أن “علاء فرج” الذي يُفترض أن يكون مسؤولًا عن حسن سير العمل، لم يتخذ أي إجراءات حاسمة حيال هذه التجاوزات، بل على العكس، استمر في تواطؤاته مع محمد محفوظ الذي يحاول من خلال سلطاته ونفوذه كسب ولاء العاملين وتهدئتهم من خلال التوقيع لبعضهم دون حضور فعلي.
وفي الوقت ذاته، استمر علاء فرج في تبرير غيابه المستمر عن القصر الذي لا يزوره إلا مرة واحدة في الأسبوع، تاركًا الموقع تحت إدارة محمد محفوظ الذي لم يبدِ أي اهتمام بشؤون العاملين أو الوضع الإداري المتدهور.
فساد صريح وبيع أدوات القصر في السوق السوداء
إحدى فضائح الفساد التي تم كشفها تتعلق بسرقة الأدوات الصحية التي تم فكها أثناء عملية الترميم التي شهدها القصر عام 2019.
حيث تبين أن “م. م.” و”ض. ع.” موظف بفرع ثقافة سوهاج قد قررا التخلص من 8 أطقم صحية كانت قد تم فكها في وقت سابق من دون إذن رسمي، بل وتم التلاعب بها لبيعها في السوق السوداء.
والمثير للدهشة أن موظفي القصر اعترضوا على هذه التصرفات ورفضوا تسليم المعدات التي كانت لا تزال بحالة جيدة، بل واشتكى أحد الموظفين من أن هذه الأدوات كانت قد تم الإبقاء عليها في القصر لأغراض صيانة مستقبلية وفقًا لتعليمات مدير الموقع الأسبق “ي. ع.” الذي كان قد قرر الاحتفاظ بها لضمان استخدامها لاحقًا، وهو ما يناقض تمامًا ما حدث الآن من بيع وسرقة.
كما نشبت مشادات بين “م. م.” وبعض من ذوي الاحتياجات الخاصة العاملين بالقصر، حيث تبين أن “م. م.” كان يطلب منهم شراء ساندويتشات على حسابهم الشخصي لكي يُسمح لهم بالخروج من القصر.
وهذه الحادثة تعكس التدهور الأخلاقي الذي يعصف بالهيئة، وتكشف عن تصرفات غير لائقة من المسؤولين الذين يستغلون منصاتهم لتحقيق مكاسب شخصية.
تأجير القصر للبنوك: انتهاك للأعراف وبيع الخدمات العامة
وفي فضيحة أخرى تتعلق بالفساد المالي، قام علاء فرج بالتنسيق مع أقدم البنوك الحكومية لاستخدام قصر ثقافة طهطا كمكان لعقد اجتماعات لأعضاء مجلس الإدارة في يوم الأربعاء الموافق 7 أغسطس 2024.
ولا يعد هذا الحدث مجرد اجتماع عادي، بل تم توزيع هدايا على جميع العاملين بالقصر، شملت شنط وكابات وزمزمية عليها شعار البنك. وهذا التصرُّف يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق القصر واستخدامه في أنشطة لا تتماشى مع رسالته الثقافية والفنية.
ووفقًا لإفادات بعض العاملين، فإنه تم تأجير القصر للبنك مقابل مبالغ مالية، وهو ما يعد خرقًا واضحًا للوائح. كما أن الاجتماع تم في غياب أي رقابة من المسئولين، حيث لم يتم إعداد أي تقرير من قبل مسئول التفتيش المالي في هذا الشأن.
وعلى الرغم من أن علاء فرج نفى معرفة تفاصيل هذه الأنشطة، فإن هناك دلائل قوية تشير إلى أنه كان على علم كامل بها، كما أن “ضياء مكاوي”، رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي في ذلك الوقت، كان قد تلقي معلومات عن هذه التجاوزات إلا أنه لم يتخذ أي إجراءات.
غياب الرقابة: مشهد مقلق
ومن المعروف أن قصر ثقافة طهطا كان قد مر بعدد من التحديات في السنوات الأخيرة، كان أبرزها تدخلات غير قانونية بين علاء فرج وضياء مكاوي
هذا التدخل ليس الأول من نوعه، حيث شهد القصر العديد من الأنشطة غير المدرجة رسميًا. فمنذ تولي مدير القصر، تم تأجير المكان لمدرسة خاصة، وفي بداية النشاط، قام مدير القصر بإنزال سكينة الكهرباء، وأصر على عدم توصيل التيار الكهربائي إلا بعد دفع مبلغ مالي.
الغريب أن مدير القصر يزور قصر الثقافة مرة واحدة في الأسبوع، ما يثير التساؤلات حول طبيعة هذه التجاوزات التي تتم تحت حماية ضياء مكاوي، الذي يشغل منصبًا رفيعًا.
هناك العديد من الأدلة التي تشير إلى أن هذه الممارسات تتم بعلم كامل من “ضياء مكاوي”، مثلما حدث في 27 فبراير، عندما قام “مكاوي” بالمرور على قصر ثقافة طهطا وعدد من المواقع الأخرى، وأخذ معه أكثر من 18 موظفًا غابوا عن العمل، بالإضافة إلى مدير الموقع.
المفاجأة كانت في أن الشئون القانونية لم تتخذ أي إجراء بحق مدير الموقع، رغم أنه كان من المفترض أن يتم محاسبة الجميع وفقًا للقانون.
بدلاً من ذلك، سرت شائعات بأن مدير القصر قد اتصل بـ “ضياء مكاوي” وأكد له أنه إذا تم توقيع جزاء على أي من العاملين، فإن جميع الخدمات التي طلبها “مكاوي” من مدير القصر ستتوقف وقد أمره بعدم اتخاذ أي إجراءات ضد المقصرين.
إن هذا المشهد المأساوي يعكس حجم التدهور الذي أصاب الهيئة العامة لقصور الثقافة في إقليم وسط الصعيد، حيث أصبحت مراكزها الثقافية مرتعًا للفساد والإهدار والصفقات المشبوهة.
وبات من الواضح أن الإدارة العليا في الهيئة لا تتخذ أي خطوات جادة لمحاسبة المتورطين في هذه التجاوزات. والكارثة الكبرى تكمن في أن وزير الثقافة ذاته يغض الطرف عن هذه الفوضى، مما يعزز صورة التقاعس الحكومي في حماية المال العام ومحاربة الفساد.
وفي ظل هذه الأوضاع المزرية، يبقى التساؤل الكبير: هل ستستمر وزارة الثقافة في غض الطرف عن هذه التجاوزات، أم أنها ستتخذ إجراءات حاسمة لوقف مسلسل الفساد والإهدار في الهيئة العامة لقصور الثقافة؟