تشهد شركة توزيع كهرباء شمال القاهرة حالة من الغضب والاستياء نتيجة لمخالفات صارخة تتعلق بتوزيع المناصب القيادية، مما أثار تساؤلات حول مدى التزام الشركة باللوائح والقوانين.
إحدى أبرز الوقائع تتعلق بالمهندس ياسر حسين، صهر رئيس الشركة حسام عفيفي، الذي تم نقله إلى شركة القناة لتوزيع الكهرباء بعد اكتشاف تلاعبات في أرصدة كبار المشتركين بقيمة 41 مليون جنيه.
هذا التلاعب شمل تحميل مديونيات على بعض المشتركين دون استهلاك حقيقي، مما أدى إلى تقديم بيانات مضللة للشركة القابضة لكهرباء مصر بهدف تقليل نسبة الفقد، وتحميلها على الجهات الحكومية.
ما زالت الواقعة قيد التحقيق من قبل هيئة الرقابة الإدارية، في ظل تكتم عن حجم الخسائر التي تكبدها القطاع بسبب هذا الفعل.
قطاع الكهرباء، وخاصة شركات التوزيع، يعاني من انتشار الفساد بشكل كبير، خاصة في ما يسمى بقطاعات “كبار المشتركين”. حيث أصبح هذا القطاع ملاذاً للفساد وسرقة الموارد لأغراض شخصية، وهو ما أدى إلى زيادة نسب الفقد التجاري بالشركات، وتكبيد وزارة الكهرباء خسائر سنوية تتجاوز 30 مليار جنيه.
الوضع الراهن يستدعي تدخلاً عاجلاً من القيادة السياسية لكشف كل من تورط في هذا الفساد وسرقة مقدرات الدولة، خاصة وأن استثمارات قطاع الكهرباء منذ تولي الرئيس السيسي الحكم تجاوزت 200 مليار جنيه.
من الأمور التي تسهم في تفاقم الوضع هو غياب المتابعة الدورية والمستمرة من قبل قيادات الشركة القابضة لكهرباء مصر والشركات التابعة لها، وخاصة في منظومة الشؤون التجارية.
قطاعات التفتيش الفني والتجاري باتت تعاني من الترهل، والاكتفاء بعروض شكلية دون التحقيق في وقائع الفساد المستمرة. النتيجة النهائية هي أن المواطن البسيط والدولة هما من يتحملان تبعات هذا الفساد، في ظل استغلال المنتفعين لهذه الفوضى لتحقيق مكاسب شخصية.
من بين الوقائع التي تشير إلى تفشي الفساد، حالة مدينة دمياط التي تم فيها ضبط أربع حالات لفنادق تحصل على الكهرباء دون وجود عدادات قانونية، وأيضًا في مدينة طلخا، حيث يدفع أحد معاهد التعليم العالي مبلغًا زهيدًا قدره 3500 جنيه فقط تحت بند “غرفة حارس”. ورغم كل هذه المخالفات، لم تتم محاسبة أي قيادات بعينها في هذه الشركات.
تعد شمال الدلتا لتوزيع الكهرباء مجرد مثال واحد على انتشار الفساد في شركات أخرى مثل جنوب القاهرة، البحيرة، القناة، شمال القاهرة، وجنوب الدلتا، حيث تشهد قطاعات كبار المشتركين تلاعبات خطيرة تتطلب تدخلاً حازمًا لمراجعة كافة البيانات وإعادة السيطرة على الأمور.
التجاوزات لم تتوقف عند الفساد المالي فقط، بل طالت أيضًا عمليات التعيين والترقيات داخل الشركة. حدثت مؤخرًا مخالفة صارخة في قبول أوراق موظف لشغل وظيفة مدير عام الإدارة للرقابة والتفتيش في شركة كهرباء شمال القاهرة.
رغم أن اللوائح تشترط مؤهلًا في المحاسبة، إلا أن الموظف المقبول يحمل شهادة بكالوريوس نظم معلومات من معهد حاسب آلي، وهو مؤهل بعيد تمامًا عن المطلوب. حصل الموظف أيضًا على شهادة تسوية مؤهلات بشكل خاطئ في عام 2011، دون العرض على لجنة شؤون العاملين، مما يعد تجاوزًا صريحًا للقوانين. رغم كل هذا، قُبلت أوراقه بناءً على علاقته برئيس الشركة حسام عفيفي.
مثل هذه التجاوزات في التعيينات تُحدث إحباطًا كبيرًا بين الموظفين الأكفاء، حيث يرون أن الكفاءة ليست المعيار في الترقيات، بل المحاباة. ورغم رفع شكاوى إلى رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزير الكهرباء، لم يتم الاستجابة لها.
الدرجة الوظيفية التي تم حجبها الآن هي درجة حساسة ومهمة، حيث يكون صاحبها مسؤولًا عن متابعة الرقابة والتفتيش على جميع أمور الشركة.
التدخلات غير العادلة في تعيينات مثل هذه الوظائف تثير شكوكًا كبيرة وتفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول مصلحة من يتم حجب هذه الدرجة؟
ولماذا لم يتم تعيين الشخص المفضل بشكل مباشر، بدلاً من هذا “الالتفاف” على اللوائح والقوانين؟ وما هو الهدف من إحداث حالة من الإحباط بين العاملين وشعورهم بغياب الشفافية؟
وإذا كانت هذه التجاوزات تحدث في شركة مثل شمال القاهرة التي تقع في قلب العاصمة وتحت أنظار أجهزة الرقابة، فماذا يحدث في الشركات البعيدة عن أعين الجهات الرقابية؟