السودان في مأساة منسية وسط صراعات عالمية أخرى
الحرب المستعرة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تعيش اليوم في حالة من التجاهل العالمي رغم تأثيرها العميق والمدمر على البلاد حيث تسببت في دمار واسع النطاق وكارثة إنسانية عميقة وصفها البعض بأنها من بين أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم
جاء هذا في تحليل نشره الكاتب الأمريكي “إيشان ثارور” في عمود الرأي لصحيفة “واشنطن بوست” حيث أكد أن هذه الحرب التي تجاوزت 19 شهرا لم تحظ بالاهتمام اللازم في ظل انشغال العالم بالصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا رغم أن السودان يعتبر من أكبر الدول الأفريقية من حيث المساحة وعدد السكان مما يجعل هذا النزاع واحدا من الأحداث الأكثر تدميرا في المنطقة
الأزمة الإنسانية في السودان ازدادت سوءا مع ارتفاع عدد المحتاجين إلى المساعدات الغذائية حيث قدر عددهم بحوالي 26 مليون شخص يعانون من نقص حاد في الغذاء هذا الوضع الكارثي دفع أليكس ماريانيللي المدير القطري بالإنابة لبرنامج الأغذية العالمي في السودان إلى وصف ما يحدث هناك بأنه “أسوأ كارثة جوع على كوكب الأرض” هذه الكلمات التي نقلها الكاتب الأمريكي تلخص حجم الدمار الذي يعيشه السودانيون بسبب هذه الحرب حيث أدت الاشتباكات المسلحة إلى تدمير اقتصاد المجتمعات المحلية وإعاقة حركة السلع والخدمات مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية وأصبح الحصول عليها صعبا على العديد من السودانيين العاديين
المشكلة الأكبر تكمن في تعقيد عملية إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في بلد مترامي الأطراف مثل السودان حيث أشار ثارور إلى أن السودان مليء بالمليشيات المتصارعة التي تجعل من الصعب على المنظمات الإنسانية تأمين قوافل المساعدات أو ضمان وصولها إلى الفئات الأكثر احتياجا ومع استمرار هذه الحرب تأثر الاقتصاد المحلي بشكل مباشر حيث تراجعت القدرة على نقل السلع بين المدن والمناطق المختلفة مما أدى إلى شلل كامل في التجارة المحلية وزيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية التي لا تصل بشكل كاف أو منتظم
وما يزيد من تعقيد الوضع هو غياب الاهتمام العالمي بالقضية السودانية فقد أشار الكاتب إلى ما وصفه بالنظام العالمي “الفاشل” الذي لا يبالي بما يحدث في السودان رغم حجم المأساة فقد نقل عن يان إيغلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين بعد زيارته الأخيرة للسودان قوله إن ما يحدث هناك هو “أسوأ أزمة في العالم” ولكنها تُقابل بصمت عالمي محبط ويضيف إيغلاند بأن العالم يجب أن يستيقظ من هذا الصمت قبل أن تجتاح المجاعة جيلا كاملا من الأطفال مما يعكس حجم الخطر الذي يواجهه الشعب السوداني إذا استمر العالم في تجاهل هذه الكارثة
رغم كل هذه التحذيرات إلا أن الكاتب يعبر عن أسفه لعدم وجود أي مؤشرات على اقتراب حل سياسي أو وقف للعنف في الأفق حيث يعتمد طرفا النزاع على دعم خارجي من شبكات إقليمية ودولية مما يزيد من تعقيد الحلول السياسية لهذه الأزمة في الوقت الذي يتلقى فيه الجيش السوداني دعما من بعض الدول العربية والإفريقية تتلقى قوات الدعم السريع أيضا دعما خارجيا مكّنها من الاستمرار في القتال بل وارتكاب العديد من الفظائع التي وثقها المجتمع الدولي
وفي هذا السياق ألقى ثارور الضوء على اتهامات موجهة لقوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك مجازر بحق المدنيين وعمليات اغتصاب جماعي للنساء بالإضافة إلى ممارسة العنف الجنسي على نطاق واسع في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات ويأتي هذا في ظل غياب كامل لأي محاسبة أو مساءلة مما يعزز مناخ الإفلات من العقاب الذي يساهم في استمرار هذه الانتهاكات
إلى جانب هذه الجرائم ارتبطت الحرب الأهلية في السودان بخلق مجموعة من التحديات الجديدة أمام منظمات الإغاثة التي باتت تكافح لتأمين ممرات آمنة لشاحنات المساعدات الإنسانية التي تواجه خطرا يوميا في رحلتها الطويلة عبر آلاف الكيلومترات داخل الأراضي السودانية التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة مختلفة وكذلك المجتمعات المحلية التي تعاني من الجوع وتحاول السيطرة على نقاط التفتيش لابتزاز شاحنات المساعدات أو السيطرة عليها
ما يزيد من معاناة الشعب السوداني في هذا الوضع هو أن الحرب المستمرة أدت إلى تفاقم أزمة النزوح حيث فر الملايين من منازلهم بسبب القتال المستمر وفقدان الأمن وانعدام الاستقرار الغذائي إضافة إلى تفشي الأمراض وسوء التغذية بين الأطفال الذين يعانون من آثار هذه الأزمة الإنسانية الكبيرة والتي لا يبدو لها نهاية قريبة في ظل هذا الوضع الدولي المعقد