في خطوة جديدة تؤكد التقاعس الحكومي المستمر تجاه معاناة المواطنين، أعلنت الشركة الكبرى في قطاع الاتصالات عن رفع أسعار خدمات الإنترنت المنزلي، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول كيفية إدارتها لهذا القطاع الحيوي والضروري لملايين الأسر في مصر.
هذا القرار لم يكن مفاجئًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الشعب المصري نتيجة السياسات الحكومية الفاشلة التي لا تأخذ في الحسبان الأعباء التي تزداد يومًا بعد يوم على كاهل المواطنين. ووفقًا للتوقعات فإن الشركات المنافسة ستتبع نفس النهج بزيادة الأسعار بعد القرار الأخير.
الشركة التي تهيمن على سوق خدمات الإنترنت في مصر رفعت أسعار باقات الإنترنت المنزلية بشكل غير مبرر في خطوة تؤكد عجز الحكومة عن مراقبة وتحجيم سلطات هذه الشركات التي تمتلك حق التحكم في البنية التحتية للاتصالات.
فبمجرد إعلان هذه الزيادة، بدأت أسعار الباقات الجديدة في الارتفاع بشكل صاروخي، لتصل إلى مبالغ غير معقولة للمواطن المصري. فمن الآن فصاعدًا، ستبدأ الشركة في محاسبة عملائها بالأسعار الجديدة ابتداءً من الشهر المقبل، وهو ما يعني تحميل الأعباء المعيشية للمواطنين دون أي مبرر حقيقي سوى الزيادة غير المبررة في الأسعار.
عندما ننظر إلى تفاصيل الأسعار الجديدة، نجد أن الزيادة تعد ضربًا من الخيال، فالباقات التي كانت أسعارها معقولة نسبيًا شهدت زيادات ضخمة. فمثلاً، تبدأ باقة الإنترنت سوبر 140 جيجابايت من 239.4 جنيه شهريًا، بينما كانت قبل هذه الزيادة أرخص بكثير. وإذا كان هذا هو الحال مع الباقة الأصغر، فإن الوضع يصبح أكثر صعوبة مع باقة الإنترنت ماكس 1 تيرا بايت، التي أصبح سعرها 2006.4 جنيه شهريًا، وهو رقم يتخطى قدرات العديد من الأسر في مصر.
لم تقتصر الزيادة على باقات الإنترنت فقط، بل شملت أيضًا أسعار كروت الفكة التي تستخدمها شريحة كبيرة من المواطنين لشراء صلاحية إضافية لمكالماتهم أو الإنترنت عبر هواتفهم المحمولة. فقد أعلنت شركات المحمول عن رفع أسعار الكروت مسبقة الدفع بشكل غير مبرر أيضًا. فمثلًا، كان الكارت فئة 10 جنيهات يوفر رصيدًا قدره 7 جنيهات، ليصبح الآن بسعر 13 جنيهًا ويعطي رصيدًا قدره 9.1 جنيه. وهذا يُظهر بوضوح كيف يتم استغلال المواطن المصري وفرض زيادات مالية على خدمات ضرورية وحيوية.
ثم نجد الزيادة المفاجئة في أسعار الكروت الأخرى التي تخطت حدود المنطق، حيث ارتفعت أسعار الكروت فئة 12.5 جنيه، فبدلاً من توفير رصيد قدره 8.8 جنيه، أصبح الكارت الآن بسعر 16.5 جنيه ويعطي رصيدًا قدره 11.55 جنيه. الكارت فئة 15 جنيهًا ارتفع هو الآخر ليصبح بسعر 19.5 جنيه، ويمنح رصيدًا قدره 13.65 جنيه. حتى الكارت فئة 20 جنيهًا، الذي كان يتيح رصيدًا قدره 14 جنيهًا، أصبح بسعر 26 جنيهًا ويمنح رصيدًا قدره 18.2 جنيه.
لقد بات من الواضح أن الحكومة المصرية تتجاهل بشكل تام معاناة المواطنين في ظل ارتفاع تكاليف الحياة اليومية. ورغم الوعود المتكررة بالحد من معاناة الطبقات الفقيرة والمتوسطة، نرى أن الحكومة تواصل تجاهل هذه الوعود وتترك الأمور تسير بشكل يضر بمصلحة المواطن.
هل الحكومة في مصر لا ترى أن مثل هذه الزيادات في الأسعار تؤثر بشكل كبير على قدرة المواطنين على العيش بكرامة؟ لماذا لم تتخذ أي خطوات جادة لوقف هذه الزيادات؟ كيف يمكن تفسير صمت الحكومة تجاه هذه الزيادات الكبيرة في الأسعار التي أثرت بشكل مباشر على الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن؟ إن رفع أسعار الإنترنت والخدمات المترتبة عليه يعد مثالًا صارخًا على تراجع حكومة مصر عن دورها في حماية المواطن من الجشع المتزايد لهذه الشركات التي لا ترى سوى مصالحها الخاصة على حساب المواطن.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن هذه الزيادة تأتي في وقت يعاني فيه العديد من الأسر من تراكم الديون وارتفاع الأسعار بشكل عام. لذا فإن رفع الأسعار لا يعد فقط قرارًا غير مبرر، بل هو بمثابة ضربة جديدة لجيوب المواطنين الذين يعانون أصلاً من الظروف الاقتصادية الصعبة. لا شك أن هذه الزيادة سوف تؤدي إلى تدهور أكثر في حياة ملايين الأسر المصرية التي تعتمد على الإنترنت كأداة أساسية في أعمالها وتعليمها ورفاهيتها اليومية.
هذا التصرف من قبل الشركات الكبرى يعكس فشلًا ذريعا من الحكومة في الرقابة الفعالة على قطاع الاتصالات، بل وتواطؤًا غير مباشر في استغلال المواطنين. الحكومة المصرية بدلاً من أن تعمل على إيجاد حلول حقيقية لتخفيف العبء عن المواطن، فهي تواصل الصمت والتجاهل أمام هذه الزيادات المتتالية. في الوقت الذي تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة، لا نجد أي تدخل حقيقي من الدولة للحد من هذه الزيادات، وهو ما يجعلنا نتساءل عن أولويات الحكومة التي تواصل العمل لصالح الشركات الكبرى على حساب المواطن الفقير.
إن ما يحدث الآن في قطاع الاتصالات ليس إلا مجرد نموذج صغير لما يعانيه المواطن المصري يومًا بعد يوم من زيادات غير مبررة في كافة مناحي الحياة. الشركات الكبرى تستمر في فرض زيادات على خدمات أساسية دون مراعاة لظروف المواطن، بينما الحكومة تقف مكتوفة الأيدي وكأن الأمر لا يعنيها. لا يمكن لأي حكومة أن تتجاهل معاناة شعبها بهذا الشكل، ولا يمكن لها أن تبرر صمتها وتخاذلها في وقت تتضاعف فيه معاناة المواطن المصري.