تقاريرمصر

حكومة مدبولي تتجاهل الحفاظ على 2000 مبنى تاريخي وتدمر هوية القاهرة العمرانية

في خطوة غير محسوبة ولا تُظهر جدية الحكومة المصرية في حماية الهوية التاريخية والمعمارية للعاصمة القاهرة، أُعلن مؤخرًا عن توجيه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بضرورة وضع تصور للمباني ذات الطابع المميز والقيمة الحضارية في منطقة وسط البلد بالقاهرة التاريخية، في خطوة بدت وكأنها إشارة على غياب الرؤية الحقيقية للحفاظ على التراث المصري الأصيل.

الرئيس مصطفى مدبولي في حديثه، الذي لا يحمل أي تفاصيل جوهرية حول خطة تنفيذ هذا التوجيه، قال خلال ترؤسه اجتماع المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، والذي حضره العديد من الوزراء والمسؤولين، إن تحويل المباني التاريخية إلى فنادق يعد أمرًا متبعًا في العديد من دول العالم،

وهو ما يعكس الاستهتار الذي تبديه الحكومة في التعامل مع التراث العمراني المصري، خاصة في منطقة وسط البلد التي تعد واحدة من أعرق وأهم المناطق التاريخية في مصر.

وفي محاولة بائسة لتبرير هذه الخطوة، زعم مدبولي أن استخدام المباني التاريخية في أغراض حديثة يمثل فرصة لإحياء المباني غير المستغلة منها بشكل كبير.

لكن هذا التصريح يطرح العديد من التساؤلات حول نية الحكومة في تحويل هذه المباني إلى فنادق، وكأنها الحل السحري لحفظ هذه المباني، في وقت يبدو فيه أن الحكومة المصرية غافلة عن ضرورة الحفاظ على أصالة المعمار والحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية للبلاد.

فما الذي يمنع الحكومة من إيجاد حلول أخرى لتحويل هذه المباني إلى أماكن ثقافية أو متاحف أو مراكز للفنون؟ ألا تكفي الأموال التي يتم إنفاقها على مشروعاتها العمرانية الضخمة التي لا طائل منها؟ وفي الوقت نفسه تتجاهل الحكومة التدهور الكبير الذي يشهده القطاع الثقافي في مصر.

تصريحات مدبولي تنبئ عن تقاعس الحكومة المصرية في معالجة أزمة التراث العمراني في القاهرة التاريخية. الحكومة بدلًا من أن تتخذ خطوات جادة لحماية هذه المباني ذات القيمة الكبيرة في الحفاظ على هوية العاصمة،

تختار أن تكون الحلول المعمارية التي تعتمدها سطحية، لتتحول هذه المباني التاريخية إلى مجرد فنادق، تُسهم فقط في تحقيق دخل اقتصادي، دون مراعاة لحقوق الأجيال القادمة في استكشاف التاريخ المصري من خلال هذه المباني التي كانت يومًا تمثل جزءًا من الهوية الحضرية العريقة.

من جانب آخر، شدد مدبولي على ضرورة الحفاظ على انتظام دورية انعقاد اجتماعات المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، والذي رغم أنه يلتقي بين الحين والآخر، إلا أنه لا يقدم حلولًا جذرية لمشكلات القاهرة القديمة.

كيف يصرّح رئيس الحكومة بذلك في وقت تبدو فيه المسائل المتعلقة بالتراث والحفاظ على هوية العاصمة تتأرجح بين الاقتراحات الضعيفة والخطط غير الفعّالة؟ وفي نفس الوقت، يسعى رئيس الوزراء إلى تقديم تصورات بخصوص تطوير منطقة هضبة الأهرام، بما في ذلك منطقة المنصورية، وهي خطوة لا تُظهر التزامًا حقيقيًا بحل مشكلات القاهرة القديمة، بل تكرس المزيد من التقاعس الذي يتمثل في قرارات بلا تنفيذ.

إن الحكومة المصرية في طريقها إلى المزيد من التهميش للتراث العمراني في مصر، وبينما يتم الحديث عن بعض التعديلات على أسس ومعايير التنسيق الحضاري للمباني التراثية ذات الطابع المعماري المتميز، لا يزال الواقع بعيدًا عن هذه التصورات، فالتنفيذ لا يتناسب مع الطموحات المعنوية والشعارات المرفوعة.

أما بالنسبة لتوجهات الحكومة فيما يتعلق بالمباني التاريخية التي يتم الحديث عنها باعتبارها “فرصًا لتحويلها إلى فنادق”، فهذه واحدة من أبرز الصور التي تكشف عن مدى فساد وركود الحكومة المصرية في حل مشكلات البلد الحقيقية.

لو كانت الحكومة جادة في الحفاظ على هوية القاهرة، لكان من الأولى أن تستثمر في صيانة هذه المباني وتحويلها إلى أماكن ثقافية وحضارية تعكس تاريخ مصر وحضارتها، بدلاً من محو معالمها من خلال تحويلها إلى مرافق تجارية.

أمر آخر لا يمكن إغفاله هو استعراض الحكومة لمقترحات بعض الاستشاريين حول التصورات المقترحة لتطوير منطقة هضبة الأهرام، وهو ما يعكس وجود حالة من التخبط في الخطط الحكومية التي لا يُمكن أن تواكب متطلبات الحفاظ على التراث العمراني.

فالمقترحات التي يتم طرحها تقتصر على الأفكار المعمارية غير المدروسة، والتي قد تتسبب في كارثة حقيقية لقطاع التراث في مصر.

حكومة مدبولي لا يبدو أنها تمتلك رؤية واضحة بشأن القاهرة التاريخية، إذ تترك كل شيء للحديث عن خطط تطوير غير مُجدية، في وقت تعيش فيه القاهرة أزمة حقيقية في الحفاظ على مبانيها التاريخية. الخطط التي يتم تقديمها مجرد تصريحات فارغة لا تعكس سوى غياب إدارة حقيقية للتراث المصري.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى