حارس الكهرباء متهم بالسرقة: لعنة الفساد تخنق شرايين وزارة الكهرباء بالكامل
تشهد وزارة الكهرباء في مصر واحدة من أكثر الفضائح فسادًا في تاريخ القطاع، والتي تشمل تورط كبار المسؤولين في عمليات فساد مريبة كانت نتيجتها انهيار البنية التحتية للكهرباء وتعميق معاناة المواطنين.
فساد بلغ حد استغلال النفوذ والتحايل على القوانين واستنزاف أموال الدولة لصالح شركات خاصة. أحد أبرز الأمثلة على هذا الفساد هو التعاقد مع شركة “الخرافي ناشيونال” لتطوير مشاريع البنية التحتية في محطات الكهرباء، بما في ذلك توسعة حوش المفاتيح في محطة محولات أسيوط بالوليدية، والذي تم تنفيذه عبر عقد رقم (2018-2017/8) مع الشركة المصرية لنقل الكهرباء.
هذا العقد كان بمثابة المدخل لفضيحة فساد ضخمة تشمل رشوة، استغلال سلطات، وتسهيل عمليات غير قانونية أثرت سلبًا على قطاع الكهرباء في مصر.
في التفاصيل، استغل رئيس قطاع محطة محولات أسيوط سلطاته بشكل غير قانوني لتسهيل أعمال شركة “الخرافي ناشيونال” في الموقع.
حيث وفر لها جميع المعدات المطلوبة مثل اللودرات والكلاركات والاوناش، بالإضافة إلى توفير العمالة والمياه والكهرباء مجانًا، فضلًا عن منحها المكاتب والإقامة في مساكن الكهرباء (الكامب) دون مقابل.
كل هذه الامتيازات كانت مخالفة واضحة لبنود العقد المبرم بين الشركة المصرية لنقل الكهرباء والشركة الخاصة، مما يعد انتهاكًا صارخًا للقانون وتكبد الدولة خسائر ضخمة.
وفي المقابل، حصل رئيس القطاع على رشوة قيمتها 3 مليون جنيه من شركة “الخرافي ناشيونال” مقابل تسهيل هذه الامتيازات غير المشروعة، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بتعيين اثنين من أبنائه في وظائف داخل محطة الكهرباء، وهي خطوة تضاف إلى قائمة الانتهاكات التي ارتكبت في حق المال العام.
أما الخسائر المترتبة على هذا الفساد، فقد كانت كارثية، حيث تم فرض غرامة تأخير تقدر بـ 10 مليون جنيه نتيجة لتأخر المشروع، مما يزيد من فداحة الخسائر التي تتحملها خزينة الدولة.
ورغم تصعيد القضية إلى أعلى المستويات داخل الوزارة، فقد سكت كل من جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، وصباح مشالي، رئيس الشركة المصرية لنقل الكهرباء في ذلك الوقت، عن اتخاذ أي إجراء فعال ضد الفساد المستشري في القطاع.
بل ادعى المسؤولان أن الشكوى كانت مغلوطة، في محاولة لتغطية على الحقائق الموثقة. هذا الصمت المريب من قيادات وزارة الكهرباء يعكس حجم التقاعس والفساد الذي يغرق فيه هذا القطاع الحيوي.
ولم تقتصر فضائح الفساد على محطة أسيوط فقط، بل امتدت إلى مشروع آخر تم التعاقد عليه بين الشركة المصرية لنقل الكهرباء وشركة “الخرافي ناشيونال” في العام الماضي لإنشاء محطة محولات برج العرب الترفيهية. المشروع كان يتضمن إنشاء محطة كهرباء بجهد 500/220/66/22 ك.ف من النوع المعزول بالغاز (GIS)، بسعة تصل إلى 2×750 + 2×175 + 2×40 م.ف.أ، بنظام تسليم المفتاح.
هذا المشروع الذي كان يهدف إلى دعم التغذية الكهربائية لمشروع الدلتا الجديدة لاستصلاح 2.2 مليون فدان وتدعيم منطقة الساحل الشمالي كان يشهد تأخيرات كبيرة وتجاوزات مماثلة في التعاقدات، ما يوضح استمرار الفساد داخل وزارة الكهرباء على جميع الأصعدة.
إن تفشي الفساد في قطاع الكهرباء يتجلى في العديد من المظاهر السلبية داخل الوزارة، حيث يتم التلاعب بالمناقصات والمشاريع لصالح شركات بعينها على حساب المصلحة العامة.
يتم فرض غرامات غير مبررة، وتستمر عمليات هدر المال العام في ظل غياب الرقابة الفعالة، في حين أن المحسوبيات والوساطات أصبحت سمة بارزة في كل قرار تتخذه الوزارة. المسؤولون الكبار لا يتحملون مسؤولياتهم ويختبئون وراء شعارات مزيفة في حين أن قطاع الكهرباء يواجه أزمات متلاحقة نتيجة لتراكم الأخطاء السابقة.
الحكومة المصرية نفسها، والتي لا تزال تواصل تجاهل هذه الفضائح، تتحمل المسؤولية الكبرى في هذا الفساد. فلا يبدو أن هناك أي خطوات جادة لمكافحة الفساد أو وضع حلول فاعلة لأزمات قطاع الكهرباء. بدلًا من ذلك، يستمر الوضع في التدهور في ظل غياب الكوادر الفنية المتخصصة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة الفساد. وبالتالي، فإن وزارة الكهرباء لا تقوم بدورها المطلوب في إصلاح القطاع، بل تساهم في إغراقه أكثر في مستنقع من الفساد والتخبط الإداري.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن خطط لتطوير الكهرباء وتحسين الخدمات، يظل الفساد عائقًا رئيسيًا أمام أي تطور حقيقي في هذا القطاع. الشبكات الفاسدة المتغلغلة في الوزارة تجعل من المستحيل تحسين البنية التحتية أو تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين. والنتيجة هي خسائر بالمليارات تتفاقم مع مرور الوقت. ومن المؤسف أن قطاع الكهرباء، الذي يمثل جزءًا حيويًا من حياة المصريين اليومية، يظل رهينة في أيدي الفاسدين والمستغلين الذين لا يبالون بمصلحة الوطن.
إن قطاع الكهرباء في مصر بحاجة ماسة إلى إصلاح شامل، لكن هذا الإصلاح لن يتحقق في ظل استمرار الفساد المستشري داخل الوزارة. الحكومة المصرية تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن هذا الفساد، ويجب عليها أن تتحرك فورًا لوضع حد لهذه الانتهاكات التي تهدد مستقبل الطاقة في البلاد.