تقاريرمصر

الحكومة المصرية تراوغ في وعود الإصلاح الاقتصادي وتماطل في طرح شركات الجيش

بعد ساعات قليلة من التصريح المخيب للآمال، بدأت بنوك الاستثمار في إعادة تقييم شركتين تابعتين للقوات المسلحة المصرية، هما “وطنية” للبترول و”صافي” للمياه، استعداداً لطرحهما في البورصة خلال الربع الأول من العام الحالي.

هذا التقييم الجديد ليس أكثر من محاولة جديدة للالتفاف على الوعود الفارغة التي أطلقتها الحكومة منذ سنوات، وبدلاً من تنفيذ هذه الوعود، يبدو أن الحكومة تمارس المماطلة على أمل أن تنجح في تحقيق إنجاز اقتصادي بعيد عن الواقع.

الحديث عن طرح “وطنية” و”صافي” ليس الأول من نوعه. فمنذ عامين، كانت الحكومة قد أعلنت عن خططها لطرح هاتين الشركتين إلى جانب عشرات المؤسسات الأخرى في البورصة،

وأكدت في أكثر من مناسبة أنها ستتخارج جزئياً أو كلياً من الشركات عبر هذا الطرح أو بيعها لمستثمرين استراتيجيين. لكن الواقع يثبت عكس ذلك تماماً، فلم يتم طرح الشركتين حتى الآن،

رغم أن الخطط كانت قد أُعلنت منذ عام 2020، وهو ما يكشف عن حجم التلاعب والمراوغة من قبل الحكومة في التعامل مع هذا الملف.

وما يزيد الطين بلة هو أن “وطنية” التي تأسست عام 1993 و”صافي” التي تأسست عام 1996 لا تزالان في حوزة الجيش ولم يتم التفريط فيهما رغم وعود الحكومة المتكررة. هذه الوعود الزائفة تشير بوضوح إلى أن الحكومة ليست جادة في تنفيذ خططها الاقتصادية، بل تواصل الكذب على الشعب والمجتمع الدولي بشأن نواياها الفعلية.

ما يجري حالياً هو محاولة جديدة لتضليل الرأي العام وتحقيق مكاسب شخصية للمسؤولين، دون أي خطة حقيقية للإصلاح. وفقاً للعديد من الخبراء، فإن كل التصريحات الحكومية بشأن طرح الشركات التابعة للجيش في البورصة هي مجرد تكتيكات لتخفيف الضغوط المتزايدة عليها من الخارج.

فالحكومة تعي جيداً أن صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية قد أصبحوا في انتظار تنفيذ هذه الوعود، ولكنها في نفس الوقت تسعى بكل جهدها إلى التأجيل والتسويف.

الفساد الحكومي المستشري يكمن في حقيقة أن المؤسسة العسكرية تحتفظ بكافة امتيازاتها الاقتصادية، وتظل بعيدة عن أي محاسبة أو رقابة حقيقية. اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية، كان قد صرح في عام 2012 بأن “عرق الجيش” لا يمكن المساس به،

وهي تصريحات تكشف عن النفوذ الهائل الذي تتمتع به المؤسسة العسكرية في إدارة اقتصاد الدولة. وبالرغم من الضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي على الحكومة، إلا أن الجيش يواصل الهيمنة على قطاع الاقتصاد، مما يجعل أي خطوة نحو الإصلاح بعيدة المنال.

وبينما تستمر الحكومة في الترويج لخطط إصلاح اقتصادي وهمية، يبقى الجيش مسيطراً على قطاع واسع من الشركات والمصالح الاقتصادية، مما يؤدي إلى تهميش القطاع الخاص وتحجيم دوره.

الحكومة تفتقر إلى القدرة على مواجهة هذا الواقع، بل تسعى بشكل متواصل إلى تعزيز مصالح الجيش على حساب التنمية الاقتصادية الحقيقية.

وبالرغم من أن المجتمع الدولي أصبح يدرك حقيقة أن الحكومة المصرية لا تستطيع تنفيذ أي من وعودها الاقتصادية، فإن الفشل الحكومي في طرح هذه الشركات في البورصة يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر.

هذه الأزمة ليست اقتصادية فحسب، بل هي أزمة فساد مستشرٍ ومصالح ضيقة تتحكم في كافة مفاصل الدولة، مما يعرقل أي محاولة حقيقية للإصلاح.

إن ما يحدث حالياً هو مجرد لعبة سياسية لتمرير الوقت دون إجراء أي إصلاحات حقيقية. بدلاً من أن تلتزم الحكومة بوعودها التي تعهدت بها في وقت سابق، يبدو أنها تواصل هدر الفرص الاقتصادية وتكرس الوضع القائم لخدمة مصالح أفراد محددين داخل المؤسسة العسكرية.

إن عدم تنفيذ الحكومة لخطط طرح “وطنية” و”صافي” هو مثال حي على أن الحكومة لا تأبه بمصالح الشعب المصري أو بالتحول الاقتصادي الذي يدّعي النظام رغبته في تحقيقه.

يبدو أن المصلحة العسكرية هي التي تقف فوق كل اعتبار، حتى لو كان ذلك على حساب الاقتصاد الوطني ومستقبل الأجيال القادمة.

وإذا كان هذا هو حال الحكومة في التعامل مع الشركات التابعة للجيش، فما بالك بكافة الملفات الاقتصادية الأخرى؟ فالحكومة المصرية لا تزال تردد شعارات الإصلاح دون أن تقدم على أي خطوة ملموسة، في وقت تواصل فيه تفريغ أي محاولات للإصلاح من محتواها الحقيقي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى