مقالات ورأى

عبدالحافظ الصاوي يكتب: مستقبل اقتصاد لبنان بعد وقف الحرب مع الكيان الصهيوني

في السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي حيز التنفيذ، وهو ما يدعو إلى النظر إلى مستقبل اقتصاد لبنان، خاصة أن البلاد كانت تعاني اقتصادياً وماليا بشكل كبير منذ أواخر عام 2019.

وشهد الاقتصاد اللبناني قبل هذه الحرب ومنذ عام 2019 أزمة التعثر المالي والعجز عن سداد الديون الخارجية، وحدثت اضطرابات كبيرة في الجهاز المصرفي، كان من أبرز ملامحها الحجز على أموال المودعين، وانهارت العملة المحلية الليرة كثيراً، مما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى معدلات غير مسبوقة، وفشلت محاولات الحكومة في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو الحصول على مساعدات خارجية ضخمة.

ومؤخراً، جرى إدراج لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، وذلك بسبب عدم حسم القضايا المتعلقة بمواجهة جرائم غسل وتهريب الأموال إلى الخارج، والتي يحاكم بسببها حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة، هناك منذ فترة ضمن جرائم مالية أخرى.

إلا أن المواجهة بين حزب الله وإسرائيل كانت لها دلالاتها السلبية بلا شك على الوضع العام لاقتصاد البلاد، بخاصة أن الحرب أتت في وقت تشتد فيه تداعيات الأزمة الاقتصادية في لبنان، فوزير الاقتصاد أمين سلام قدر خسائر بلاده الاقتصادية نتيجة هذه الحرب بنحو 20 مليار دولار.

ومما يدعو كذلك إلى ضرورة النظر إلى مستقبل الاقتصاد اللبناني الخطوة التي أعلنها رئيس مجلس النواب نبيه بري بشأن إعلان جلسة انتخابات رئيس البلاد في السابع من يناير/ كانون الثاني 2025، وهو ما يمكن أن يفتح الباب أمام إمكانية التوصل إلى حالة من شبه الاستقرار السياسي.

ملامح أداء الاقتصاد اللبناني

أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي تبين أن الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بلغ في عام 2022 نحو 21 مليار دولار تقريباً، بينما كان في عام 2018 بحدود 55 مليار دولار تقريباً، وخلال الفترة من 2018 – 2022 استمر الناتج المحلي الإجمالي في التراجع، بسبب الأزمة الاقتصادية التي عاشتها البلاد، وما زالت، وهو ما أثر على تصنيف البنك الدولي للبنان من حيث مستويات الدخل، حيث تقع لبنان ضمن الشريحة الدنيا من الدول متوسطة الدخل، والتي تراوح دخول الفرد السنوي بها ما بين 1149 دولاراً – 4515 دولاراً.

ونتيجة لضعف الناتج المحلي الإجمالي للبنان، انعكس ذلك على ميزانه التجاري، فالأرقام الخاصة بعام 2023، المدونة على قاعدة بيانات البنك الدولي، تبين أن الصادرات السلعية بلغت ما يزيد قليلاً عن 3 مليارات دولار، بينما بلغت الواردات السلعية 15.2 مليار دولار، وهو ما يعني وجود عجز في الميزان بنحو 12.2 مليار دولار.

ووفق الأرقام، فإن الصادرات السلعية لا تمثل سوى 20% من الواردات السلعية، وهو ما يعني ترسيخاً لحالة التبعية للخارج على صعيد التجارة الخارجية.

ويعد العجز التجاري أحد أسباب انهيار وتراجع احتياطي النقد الأجنبي للبنان، وإن كان لذلك أسباب أخرى بخلاف العجز التجاري.

فبعد أن كان الاحتياطي النقدي عند 52.3 مليار دولار، تهاوى في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 إلى 10.3 مليارات دولار، بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية عن مصرف لبنان، وجرى الإيضاح أن هذا المبلغ باستثناء سندات اليورو البالغة 5 مليارات دولار، التي عجزت الدولة اللبنانية عن سدادها، والتي بسببها تفجرت أزمة لبنان المالية والاقتصادية.

أجندة الفترة المقبلة

تتدافع القضايا والمشكلات أمام صناع ومتخذي القرار الاقتصادي في لبنان، بعد مضي أكثر من 5 سنوات، عاشتها البلاد مع معاناة الأزمة الاقتصادية، فهناك أمور ضرورية لا بد من السعي لحسمها، لكي يمكن أن تبدأ لبنان استعادة أوضاعها الاقتصادية الطبيعية، ثم الحديث بعد ذلك عن إمكانية تحقيق انطلاقة اقتصادية، ومن هذه الأمور تسوية الأزمة المتعلقة بالجهاز المصرفي واستعادة الثقة لدى المتعاملين معه، وإنهاء أوضاع المودعين الذين لم يستردوا أموالهم المحجوزة منذ عام 2019 بعد، وكذلك السعي للخروج من قضية العجز عن سداد السندات الدولية التي أودت بالبلاد إلى وضع مالي مأزوم.

وللانتهاء من قضية حاكم مصرف لبنان، وحسم الحديث عن أموال المهربة للخارج أو المغسولة، والعمل على شفافية المعاملات المالية، لما يترتب على ذلك من استعادة الثقة دولياً في الجهاز المصرفي للبلاد، بل أوضاعها المالية بشكل عام.

ومن الأمور المهمة، ترسيخ العمل من خلال منظومة سياسية واقتصادية، تعتمد على المؤسسية، والتعاون بين كل المؤسسات، بخاصة بين الحكومة والمصرف المركزي، للتنسيق بين مكونات السياسة الاقتصادية (المالية، والنقدية، والتجارية، والاستثمار، والتوظيف).

ـ التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فبدون هذا الاتفاق لن تتمكن لبنان من تدبير احتياجاتها المالية من السيولة الدولارية، لعودة النشاط الاقتصادي إلى وضعه الطبيعي، وتوقف تراجع قيمة ومعدل النمو الاقتصاد بالبلاد.

ولن يكون الوصول إلى اتفاق مع الصندوق أمراً سهلاً، ولكن قد تراعي المؤسسة المالية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وما أضافته ممارسات الكيان الصهيوني من ممارسات تدمير في جنوب لبنان، بل في العاصمة بيروت والضاحية الجنوبية والبقاع وغيرها، وعلى المفاوض اللبناني ألا يقبل بشروط تمس الاحتياجات الأساسية للفئات الفقيرة والمهمشة.

ـ العمل على تحسين أوضاع العملة المحلية التي تهاوي مقابل الدولار في السنوات الأخيرة، وتخفيف حدة معدلات التضخم والبطالة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من 5 سنوات.

ـ السعي بخطوات جادة لحل مشكلة الطاقة التي تعد عائقاً كبيراً للبلاد على الصعيد الاقتصادي، وإن كانت لبنان قد توصلت من قبل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني عام 2022، على أمل أن تنال لبنان حصة من النفط والغاز الطبيعي، تمكنها من خفض فاتورة الطاقة.

ـ الموازنة اللبنانية من القضايا المعضلة التي يعيشها الاقتصاد المحلي، بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهو ما يجعل موقف لبنان شديد الضعف أمام المؤسسات الدولية، فلبنان يعيش بلا موازنة عامة منذ سنوات.

وخلال الفترة القادمة، من الواجب أن تعمل الحكومة اللبنانية، على تقديم موازنة، يمكن للبرلمان أن يعتمدها، وتلبي متطلبات التنمية، وتتلافى سلبيات الموازنات السابقة، التي سُخِّرت للإنفاق الجاري من أجور ودعم، وإهمال الاستثمار والصيانة.

إعادة الإعمار والاستقرار السياسي

تفرض قضية إعادة الإعمار نفسها، لما لها من جوانب اقتصادية واجتماعية، وقد تكون المساعدات الدولية مهمة في هذا الجانب، إلا أن التمويل الذاتي يعد الأكثر أهمية، وهو ما سيضع الحكومة في أزمة تدبير التمويل.

وإن كان لعملية إعادة الإعمار جانب سلبيّ متمثلٌ في الضغوط المالية، إلا أن لها جوانبَ إيجابية تتمثل في تشغيل العديد من المنشآت الاقتصادية وشركات المقاولات، وهو ما سيساعد على توفير فرص عمل، وتحسين دخول الأفراد.

وكذلك إن إعادة إعمار وتفعيل البنية الأساسية يُعدّان في غاية الأهمية للعديد من مكونات النشاط الاقتصادي.

وكل ما تم طرحه من مقترحات سابقة، مرهون بشكل كبير بنجاح لبنان في تحقيق الاستقرار السياسي، فبلا شك أن وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني، لن تتوقف تداعياته فقط على الجوانب العسكرية، فهناك جوانب أخرى، وهو ما نظنه دفع نبيه بري رئيس مجلس النواب إلى تحديد مطلع يناير/كانون الثاني المقبل لإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، علما بأن المحاولات السابقة التي جرت لانتخاب رئيس الجمهورية، لم تكلل بالنجاح، ولكن هذه المرة، نحسب أن تداعيات الحرب مع الكيان الصهيوني والتي استمرت ما يزيد عن عام وما أسفرت عنه من نتائج، قد تحتم على مجلس النواب حسم هذه القضية، بحيث يكون هناك رئيس للبلاد في أقرب وقت.

وبدون الوصول إلى استقرار سياسي، لن يخرج لبنان من أزمته الاقتصادية، وستبقى كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية عالقة، إن لم تزدد سوءاً.

المصدر: (العربي الجديد)

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى