مقالات ورأى

عصام الإسلامبولي يكتب : قراءة في حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن قانون الإيجارات (2/1)

من المسلمات أن تفعيل مواد الدساتير المصرية المتعاقبة، وإنزال الدستور من وضعه على أرفف المكتبات للتباهي والتفاخر به إلى حيز التطبيق الفعلي لأحكامه على أرض الواقع، وعلو شأنه على نصوص القوانين من خلال مباشرة رقابة المحكمتين العليا ومن بعدها الدستورية العليا على رقابة مدى دستورية القوانين محل الطعون.

بيد أن الحكم الأخير الذي صدر بتاريخ 2024/11/9، برقم 24 لسنة 20 قضائية دستورية، والذي قضى منطوقه أولاً بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1) و (2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بأجير وبيع الأماكن، وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها الأغراض السكنية اعتباراً من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.

وثانياً: بتحديد اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخاً لإعمال أثر هذا الحكم. إلا أن الملفت للنظر بشدة وعلى الرغم مما أثاره هذا الحكم من رد فعل مجتمعي واسع المدى، وتناوله بالعديد من التحليلات المتعاقبة، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو كيف يمكن أن تكون ثمة قضية مودعة بقلم كتاب المحكمة الدستورية العليا في 1998/2/7،

ولا تفصل الحكمة فيها إلا في 2024/11/9 أي بعد مرور أكثر من 26 عاماً، فضلاً عن الدعوى كانت أصلاً مودعة قلم كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية عام 1988، أي أن هذه الدعوى مطروحة على القضاء منذ أكثر من 36 عاماً، فإذا قصرنا الحديث عن مدة تداول الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا، فإن هذا يتعارض ويتنافى تماماً مع ما أرسته هذه المحكمة ذاتها في الحديث عن العدالة والترضية القضائية،

عندما أرست مبادئ أن العدالة الناجزة تقتضي أن نكون بصدد محاكمة قانونية منصفة غير عاجلة وغير متباطئة حتى لا يضيع الحق أو يهدر أو يموت، وحتى يتحقق للمتقاضي الترضية القضائية المنشودة لكل متضرر،

فما بالنا والسؤال الذي تغيب عنه الإجابة الشافية، ماذا كان يجري بشأن هذه القضية طوال هذه المدة التي تجاوزت ربع قرن؟ وهل يستطيع المدعي – إذا كان ما زال على قيد الحياة أصلاً أو ورثته أيضاً إن كانوا كذلك على قيد الحياة – أن تتحقق له هذه الترضية القضائية؟

والأغرب والأعجب من هذا أن المحكمة الدستورية العليا كانت قد فصلت في العديد من القضايا التي تناولت الطعن على المادتين (1) و (2) من ذات القانون رقم 136 لسنة 1981، في الدعاوى أرقام 78 لسنة 17 قضائية دستورية، و 50 لسنة 21 قضائية دستورية، و 166 لسنة 21 قضائية دستورية، و 89 لسنة 18 قضائية دستورية، والبعض قضي فيها بالرفض، والآخر قضي بعدم دستورية شق من مضمون الفقرتين،

يختلف عن المضمون المقضي بعدم دستوريته، فكيف لم تعمل المحكمة سلطتها المخولة لها بموجب المادة 27 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 الذي خولها حق التصدي من تلقاء نفسها عند نظر الدعاوى المتعلقة بعدم الدستورية المطروحة أمامها بشأن ذات القانون، وقد مارست المحكمة هذه المكنة من قبل تارة بالتوسع بإستخدام هذه الرخصة في بعض الأحكام الصادرة منها، وتارة بالتضييق في استخدام هذه الرخصة،

وقد كان أولى بإعمال رخصة التصدي في شأن هاتين الفقرتين المقضي بعدم دستوريتهما، بحسبان أنهما كانتا مطروحتين أمام المحكمة في الأحكام المشار إليها سابقاً، ولو كانت قد فعلت لأراحت المعنيين بهذا القانون منذ أكثر من ربع قرن.

وما زاد الأمر غرابة أن المحكمة وبعد أن قضت بعدم دستورية ثبات الأجرة السنوية، إلا أنها أمهلت المشرع مهلة تنتهي بانتهاء الدور التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخاً لإعمال أثر هذا الحكم ووفقاً لنص المادة 115 من الدستور، فإن دور الانعقاد ومدته 9 شهور يبدأ من الخميس الأول من شهر أكتوبر إلى نهاية شهر يونيو وأوائل شهر يوليو،

لكن بقي السؤال مطروحاً، كيف يستفيد المدعي من الحكم الصادر لصالحه والذي تضمن في نهاية أسبابه عبارة “وذلك دون إخلال باستفادة المدعى في الدعوى المعرضة منه”، وقد جاء منطوق الحكم خالياً من كيفية هذه الاستفادة بالنسبة للمدعي.

وعلى الرغم مما يحدث من إجراءات من أجل سرعة الفصل في القضايا، إلا أن هذه الجهود لن تؤتي ثمارها لم لم يكن لها ظهيراً تشريعياً، فالأمر يتطلب إعادة النظر في كافة القوانين المتعلقة بإجراءات التقاضي وذلك لملاحقة التطور التكنولوجي في المجتمع وتأثيرها التشريعات، وعلى رأسها، القوانين التالية: السلطة القضائية، المرافعات المدنية والتجارية، الإجراءات الجنائية، والمحكمة الدستورية العليا، وتنظيم إجراءات الطعن بالنقض على الأحكام المدنية والجنائية،

وأخيراً وليس آخراً قانون مجلس الدولة والذي عندما أُنشئ عام 1946، تضمن قانون إنشاء المجلس وعداً بإعداد قانون ينظم قانون إجراءات المرافعات للدعاوى الإدارية أمام القسم القضائي بالمجلس، لما لها من طبيعة خاصة تختلف عن إجراءات الدعاوى المدنية والتجارية، وقد مضى أكثر من 75 عاماً من تاريخ هذا الوعد ولم يتحقق حتى الآن وأخيراً قانون المحاماة.

وللحديث بقية لازمة، تتناول فيه كيفية تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا بشكل عملي، مع مقترحات بشأن إصدار القانون الجديد للإيجارات في ضوء حكم المحكمة، وذلك في جزء ثان من هذا المقال.

عصام الإسلامبولي المحامي

بالنقض والإدارية العليا والدستورية العليا

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى