ما زالت الحكومة المصرية تعيش في عالم من الأوهام، حيث تواصل تقديم وعود كاذبة حول زيادة الرقعة الزراعية، وكأن الشعب المصري لم يعِ بعد حقيقة الفشل الذريع في تنفيذ المشروعات السابقة التي أُعلن عنها على مدار سنوات طويلة.
تصريحات الحكومة الأخيرة حول إضافة 3 ملايين فدان للرقعة الزراعية خلال العامين المقبلين لا تعبر إلا عن تهرب جديد من مسؤولياتها وتغطية على التقاعس المستمر في تنفيذ المشاريع التي تم الإعلان عنها سابقًا.
من خلال كلمات فارغة، سعت الحكومة إلى الترويج لعدة مشروعات ضخمة، مثل مشروعات في دلتا مصر الجديدة، توشكى، وسيناء، تحت مسمى “التوسع الزراعي”.
ولكن، وكالعادة، لم تأتِ هذه الوعود إلا بعد سلسلة من الإخفاقات في مشروعات سابقة تزايدت تكلفتها على حساب الشعب، دون أن تلمس أي نتائج إيجابية على أرض الواقع. فالمشروعات التي تم الإعلان عنها في السنوات الماضية لم تتحقق معظمها على الإطلاق، ولا تزال العديد من الأراضي التي وُعدت بالزراعة مهملة، بينما يُستهلك المال العام في مشاريع غير مدروسة.
الحكومة، بدلًا من الاعتراف بالفشل والتعامل مع الأسباب الحقيقية التي حالت دون تحقيق هذه الوعود، تواصل الكذب على الشعب بتصريحات لا أساس لها من الصحة. الحديث عن زيادة الرقعة الزراعية بواقع 3 ملايين فدان يعكس فشلًا ذريعًا في التخطيط، ويفضح بالدرجة الأولى ضعف القدرة على التنفيذ.
فما هي العوائد المتوقعة من هذه المشروعات إن كانت المياه التي تعدّ عصب الحياة الزراعية في مصر أصبحت على حافة الندرة؟ وكيف يُتوقع أن يتحقق هذا التوسع في ظل تدهور البنية التحتية التي تعاني منها معظم المناطق الزراعية؟
ومن المضحك أن تواصل الحكومة عرض نفس الحلول الفاشلة في وقت يعاني فيه المزارعون من نقص الموارد والأدوات الأساسية التي يحتاجون إليها، مثل الأسمدة والمعدات.
في منطقة توشكى، على سبيل المثال، تم الإعلان عن مشروعات كبيرة في الماضي، ولكن الواقع كان مختلفًا تمامًا، حيث تم إهدار الأموال على أراضٍ صحراوية قاحلة، لم تُثمر عن شيء سوى زيادة في الفقر والتهميش للمواطنين الذين يعيشون هناك. وبينما يخرج المسؤولون ليتحدثوا عن مشاريع جديدة في سيناء، فإن الواقع يشير إلى العكس تمامًا، حيث يعاني سكان هذه المنطقة من غياب البنية التحتية الأساسية، ولا تملك الحكومة أي خطة واضحة للتعامل مع هذه المشاكل.
وأما حديث الحكومة عن مشروعات ضخمة في دلتا مصر الجديدة، فلا يعدو كونه تكتيكًا دعائيًا هدفه إرضاء الرأي العام دون أدنى مراعاة للحقائق على الأرض. فما فائدة التوسع الزراعي إن كان الريّ في مصر يعاني من مشاكل ضخمة، والمياه تتناقص بشكل مستمر، في الوقت الذي لا تملك الحكومة أي استراتيجية حقيقية للتعامل مع أزمة المياه؟ فالتوسع الزراعي الذي تروج له الحكومة يتطلب أولًا معالجة مشاكل الري والمياه التي هي في الأساس أزمة حقيقية تهدد استدامة أي مشروع زراعي. في الواقع، لا يبدو أن الحكومة تمتلك رؤية حقيقية أو خطة استراتيجية للتوسع الزراعي أو معالجة هذه الأزمة.
المفارقة أن هذه الحكومة، بدلًا من أن تعترف بالأخطاء الفادحة في تنفيذ مشروعاتها، تواصل التصريحات المتفائلة التي لا ترتبط بأي خطوات ملموسة على الأرض. والأنكى من ذلك أن وزير الزراعة، وغيره من المسؤولين في الحكومة، يتفاخرون بإنجازات وهمية حول زيادة إنتاجية الزراعة، في حين أن الواقع يشير إلى تراجع مستمر في مستوى الإنتاج الزراعي، وتزايد المشاكل التي يواجهها الفلاحون من ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب الدعم الكافي.
الحديث عن التوسع الزراعي في مصر لا يعدو كونه غطاءً جديدًا يستخدمه المسؤولون لتخفيف الضغط الشعبي عن فشلهم المستمر. الحكومة تحاول أن تُظهر نفسها بمظهر المنقذ بينما الحقيقة تكشف عن إهدار متواصل للموارد وتكريس للفساد. الدعم الموجه للقطاع الزراعي كان دائمًا غير كافٍ، وأي دعم يُمنح للمزارعين يظل مجرد مسكنات لا تقدم حلولًا حقيقية. في ظل هذه الأوضاع، يصبح من الصعب تصديق وعود الحكومة بشأن التوسع الزراعي، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها البلاد من ناحية نقص المياه، وتدهور الأراضي الزراعية، وعدم القدرة على تطوير التقنيات الزراعية بشكل يتماشى مع احتياجات المستقبل.
وفي ظل غياب أي رقابة حقيقية، يتساءل الكثيرون عن كيفية استغلال الأموال العامة في مشروعات لا تُظهر أي نتائج على أرض الواقع. ورغم الأموال الطائلة التي تم صرفها على هذه المشاريع، فإن الفساد المستشري في أروقة الحكومة لا يُخفي نية المسؤولين في تنفيذ مشاريع وهمية تركز على تلميع صورة الحكومة دون النظر إلى مصير الشعب أو معالجة التحديات الحقيقية التي تواجه الزراعة المصرية.
وتتواصل الحكومة في خداع الشعب بتصريحات مزخرفة لا أساس لها من الصحة، والأرقام التي تُذكر حول التوسع الزراعي لا تمثل سوى تكملة لفصول جديدة من فشل سياسات الزراعة في مصر.
فالتوسع المزعوم في الرقعة الزراعية هو مجرد وهم، ولن يتعدى كونه وعودًا جوفاء تُستخدم في الدعاية السياسية فقط، في وقت تزداد فيه مشكلات الفلاحين وتستمر الحكومة في تجاهل الواقع المؤلم.