كوريا الجنوبية في قلب العاصفة: استقالة وزير الدفاع ومطالبة الحزب الحاكم برحيل الرئيس
في خطوة غير متوقعة هزت كوريا الجنوبية، أقدم الرئيس يون سوك يول على إعلان فرض الأحكام العرفية في البلاد، محاولاً فرض قبضة حديدية على الأوضاع السياسية والأمنية.
ورغم ادعاءاته حول تهديدات أمنية مزعومة من كوريا الشمالية، تحول هذا القرار إلى فضيحة مدوية تهدد مستقبله السياسي. ولأن الفشل كان حليفه، اضطر الرئيس إلى التراجع عن قراره بعد ساعات قليلة فقط، في مشهد كارثي يفضح عجزه عن إدارة الدولة ويكشف هشاشة السلطة في يديه.
القرار الصادم للرئيس يون بدأ يوم الثلاثاء الماضي عندما أعلن عن فرض الأحكام العرفية، مدعيًا أن هذا الإجراء “الضروري” يهدف لحماية النظام الدستوري لبلاده من التهديدات الخارجية.
وبموازاة ذلك، كانت التهديدات الداخلية لاحتجاز الحريات السياسية والإعلامية أكثر وضوحًا. لم يقدم الرئيس أي تفاصيل واضحة عن هذه “التهديدات” التي كان يزعم أنه يواجهها، مما جعل الكثيرين يعتقدون أن الدافع وراء القرار كان سياسيًا بحتًا، محاولًا تحصين نفسه من الاحتجاجات والضغوط المتزايدة.
ما تبع هذا الإعلان كان مشهدًا سياسيًا دراميًا: جنود يتسلقون المباني الحكومية، مروحيات عسكرية تحلق فوق البرلمان، واشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين في الشوارع. هذه الفوضى كانت نتيجة مباشرة للإجراءات غير المدروسة التي اتخذها الرئيس، والتي أدت إلى حالة من الذعر والفوضى في جميع أنحاء البلاد.
لكن المفاجأة الكبرى كانت في اليوم التالي عندما بدأ يظهر واضحًا أن الرئيس لم يكن يمتلك الدعم الكافي لتنفيذ خطته. في خطوة تعكس انقسامات السلطة، اجتمع البرلمان الكوري الجنوبي بسرعة وأقر بالإجماع رفع الأحكام العرفية، بما في ذلك أعضاء الحزب الحاكم الذين كان من المفترض أن يدعموه. هذا التصويت كان بمثابة صفعة قوية على وجه الرئيس، وكشف عن مدى ضعف سلطته السياسية في الداخل.
وأعقب ذلك استقالة وزير الدفاع الكوري الجنوبي، كيم يونغ هيون، الذي قدم اعتذارًا علنيًا عن فشل الحكومة في إدارة الأزمة. في بيان صادر عنه، أبدى كيم استعداده لتحمل كامل المسؤولية عن الاضطرابات الناجمة عن الإعلان عن الأحكام العرفية، متعهدًا بتقديم استقالته على الفور. هذه الاستقالة لم تكن سوى بداية لسلسلة من الضغوط التي بدأت تتصاعد على الرئيس يون.
في نفس السياق، خرج زعيم حزب “سلطة الشعب” الحاكم، هان دونغ هون، ليحمل المسؤولية بشكل غير مباشر للرئيس، حيث دعا الأخير إلى مغادرة الحزب بسبب الفشل المدوي الذي لحق به. هان، الذي كان من المفترض أن يكون حليفًا للرئيس، أعلن علنًا أنه سيعمل على منع تمرير مشروع قانون المعارضة الرامي إلى عزل الرئيس، ولكنه في الوقت نفسه أكد أن الرئيس يجب أن يخضع للمحاسبة بسبب ما تسبب فيه من ضرر فادح للشعب الكوري.
أما أحزاب المعارضة فلم تفوت الفرصة لتكثيف الضغط على الرئيس، حيث تقدموا بمشروع قانون لعزله من منصبه، مقدمين الأسباب التي وصفوها “بالتجاوزات الدستورية” التي ارتكبها الرئيس في إعلان الأحكام العرفية. وبدلاً من أن يحظى بدعم من حلفائه، وجد نفسه في مواجهة جبهة معارضة موحدة ضده. العديد من الأحزاب، بما في ذلك ستة أحزاب معارضة، انضمت إلى هذا المشروع، مما وضع الحزب الحاكم في موقف صعب.
ومع ذلك، أظهر حزب “سلطة الشعب” الحاكم رفضًا قاطعًا لمشروع قانون عزل الرئيس، مما يعكس الانقسام الكبير داخل الحزب حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة. على الرغم من أن الحزب يسيطر على 108 مقاعد في البرلمان، فإن تمرير قرار العزل يحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، مما يعني أن الرئيس يحتاج إلى دعم جزئي من حزب المعارضة لكي يظل في منصبه.
هذه الأزمة كشفت أن الرئيس يون كان يفتقد إلى الحكمة السياسية والرؤية السليمة في إدارة البلاد. محاولة فرض الأحكام العرفية لم تكن فقط محاولة للسيطرة على الوضع الداخلي، بل كانت أيضًا مؤشرًا على غياب الاستراتيجية في التعامل مع التهديدات الوطنية والدولية. بدلًا من أن يكون الزعيم الذي يقود البلاد إلى الاستقرار، تحول إلى مصدر للانقسام والقلق في ظل التحديات السياسية الكبيرة التي واجهها.
ما حدث في كوريا الجنوبية هو أكثر من مجرد خطأ سياسي، إنه أزمة قيادة بمفهومها الكامل. الأزمة لم تكشف فقط عن ضعف الرئيس في اتخاذ القرارات، بل عرضت تباينًا واضحًا بين مؤسسات الدولة، مما جعل كوريا الجنوبية تبدو في مهب الريح، وسط عدم اليقين السياسي الذي يهدد استقرار البلاد.
ما قد يحدث في الأيام المقبلة سيكون حاسمًا لمستقبل الرئيس يون وللثقة التي سيستعيدها في صفوف الشعب. إذا كانت هذه الأزمة قد أبرزت فساد السلطة والقرارات العشوائية، فإن الساعات القادمة ستكشف ما إذا كان الرئيس سيستطيع النجاة من هذا المأزق أو إذا كان مصيره السياسي قد انتهى.