تقاريرعربي ودولى

كوريا الجنوبية تنفجر: أزمة سياسية عارمة تهدد بإسقاط الحكومة وانهيار الاقتصاد

تعيش كوريا الجنوبية لحظة حاسمة من تاريخها الحديث، بعد أن شهدت تطورات سياسية مفاجئة ومثيرة للقلق، حيث اشتعلت البلاد بعد إعلان الرئيس يون سوك يول الأحكام العرفية. قرار صادم، لم يكن في حسبان أحد، هز أركان النظام السياسي وأثار قلقاً واسعاً في الداخل والخارج، قبل أن يتراجع عنه الرئيس بسرعة بعد ساعات.

هذا القرار الفجائي جاء في ظل أزمة سياسية هي الأسوأ التي شهدتها البلاد منذ عقود طويلة، مما وضع رابع أكبر اقتصاد في آسيا على حافة الانهيار.

الأزمة اندلعت بسرعة هائلة، حيث هرع نواب كوريا الجنوبية إلى البرلمان في محاولة منهم للتصدي لهذا القرار المصيري. هؤلاء النواب، مدفوعون بالغضب والذهول، قرروا التصويت على إلغاء الأحكام العرفية، بينما اقتحمت قوات مسلحة مبنى البرلمان في العاصمة سيئول في مشهد تاريخي ومخيف.

الوضع السياسي بات معقداً وخطيراً، فيما بدأت الأصوات ترتفع بشكل غير مسبوق للمطالبة بعزل الرئيس. يبدو أن الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير الرئيس يون ومستقبل البلاد.

قوى المعارضة في البرلمان لم تقف مكتوفة الأيدي. ائتلاف قوي من المشرعين من مختلف أحزاب المعارضة قرر تقديم مشروع قانون لعزل الرئيس يون اليوم، مطالبين بتحرك سريع وفوري. هذا المشروع يمثل تحدياً كبيراً للرئيس، حيث يجب التصويت عليه خلال 72 ساعة فقط. وفقا للدستور، يمكن للجمعية الوطنية إقالة الرئيس إذا صوت أكثر من ثلثي المشرعين لصالح القرار. لكن المعركة الحقيقية تبدأ بعد ذلك في المحكمة الدستورية، حيث يجب أن يصوت ستة من أصل تسعة قضاة لتأكيد العزل. البلاد بأكملها تقف الآن على أعصابها بانتظار ما ستؤول إليه هذه الأزمة.

وفي خضم هذه الفوضى السياسية، تلقى الرئيس يون ضربة قوية أخرى عندما قدم عدد من كبار معاونيه استقالاتهم بشكل جماعي. وسائل الإعلام الكورية أعلنت أن هؤلاء المعاونين، يتقدمهم رئيس ديوان الرئاسة جيونغ جين-سيوك، لم يجدوا أمامهم سوى الرحيل من مناصبهم احتجاجاً على الأوضاع المتأزمة. هذه الاستقالات الجماعية لا شك ستضع الرئيس في موقف أضعف، وستزيد من الضغط عليه داخلياً وخارجياً. مع ذلك، لم تصدر أي تفاصيل أخرى حول ما إذا كان هناك استقالات إضافية قد تكون في الطريق.

وكأن هذا لم يكن كافياً، جاء وزير الدفاع، كيم يونج هيون، ليزيد من تعقيد المشهد بتقديم اعتذار علني إلى المواطنين. وزير الدفاع الذي يُعد من الشخصيات الأساسية في الحكومة الكورية أقر بأنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن إعلان الأحكام العرفية، مؤكداً أن جميع الجنود الذين شاركوا في فرضها كانوا يعملون بناءً على تعليمات مباشرة منه. هذه الخطوة غير المعتادة من وزير في مثل هذا المنصب تعكس مدى عمق الأزمة التي تجتاح الحكومة، حيث أكد الوزير في بيانه أنه أبلغ الرئيس بنيته تقديم استقالته، وهي خطوة ستضعف الحكومة بشكل كبير وتزيد من حدة الأزمة السياسية.

الاستقالات والاعتذارات التي ضربت الحكومة لم تتوقف عند هذا الحد. حزب الرئيس يون يعاني من ضعف السيطرة داخل البرلمان، حيث يسيطر فقط على 108 مقاعد من أصل 300. هذا العدد غير الكافي يجعل وضع الرئيس هشاً للغاية، ويتركه عرضة لهجوم المعارضة التي تسيطر على باقي المقاعد. وفي حال استقالة يون أو إقالته، سيتم تعيين رئيس الوزراء هان داك سو كرئيس مؤقت إلى حين إجراء انتخابات جديدة. مستقبل الرئيس وحزبه الآن على المحك، حيث تتوالى التهديدات من كل جهة، ويبدو أن السيطرة على الموقف تتفلت من بين يديه يوماً بعد يوم.

وعلى الجانب الآخر، بدأت الاحتجاجات الشعبية في الشوارع تتصاعد بوتيرة غير مسبوقة. أكبر ائتلاف نقابي في كوريا الجنوبية، وهو الاتحاد الكوري للنقابات العمالية، أعلن عن تنظيم تجمع حاشد في سيئول مع تعهده بالإضراب العام حتى استقالة الرئيس يون. هذا التحرك الشعبي المنظم قد يشعل فتيل اضطرابات أكبر، ما يزيد من تعقيد الوضع المتدهور في البلاد. الأصوات المطالبة بالتغيير والضغط المتزايد على الحكومة باتت تعبر عن غضب شعبي لا يمكن تجاهله، ومع تزايد الاحتقان السياسي، فإن الشوارع قد تشهد موجة احتجاجات أوسع نطاقاً في الأيام المقبلة.

ولم يقتصر الأمر على السياسة والشوارع، بل وصلت تداعيات الأزمة إلى الأسواق المالية أيضاً، حيث شهدت الأسواق الكورية الجنوبية اضطرابات كبيرة مع هبوط الأسهم بنسبة 2% في ساعات الصباح الباكر من يوم الأربعاء. كما استقر الوون الكوري عند أدنى مستوياته منذ عامين، إذ بلغ حوالي 1418 مقابل الدولار الأمريكي. هذه الهزات الاقتصادية السريعة تعكس مدى هشاشة الوضع وتأثره المباشر بالأزمة السياسية. الخوف الآن يتزايد من تأثيرات أعمق قد تطال الاقتصاد الكوري الجنوبي، الذي يُعتبر واحداً من أكبر اقتصادات العالم وأكثرها ديناميكية.

كوريا الجنوبية تواجه أزمة متعددة الأبعاد تهدد ليس فقط مستقبل الرئيس يون سوك يول، بل قد تغير شكل النظام السياسي والاقتصادي بأكمله. الانهيار السياسي في البلاد ينعكس بسرعة على مختلف جوانب الحياة، من الاستقالات الحكومية إلى الاحتجاجات الشعبية، وصولاً إلى التأثيرات الاقتصادية المدمرة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى