في خطوة تكشف عن عمق الأزمة التي تواجهها مصر وتفضح عجز الحكومة عن اتخاذ تدابير فعالة لتحسين الأوضاع الاقتصادية، أصدر رئيس الوزراء قرارًا يفرض على المشروعات في المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية دفع قيمة استهلاك الغاز الطبيعي بالدولار الأمريكي، في خطوة تعكس إفلاس الحكومة الواضح في إدارة مواردها المالية وتخبطها أمام أزمة العملة الأجنبية المتفاقمة.
هذا القرار، الذي لا يخدم سوى قلة محددة من المستثمرين، يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من انهيار اقتصادي، مما يؤكد أن الحكومة المصرية لا تزال رهينة سياساتها الفاشلة وغير المدروسة.
هذا القرار لم يقتصر على المشروعات في المناطق الحرة، بل امتد ليشمل المشروعات خارج هذه المناطق، حيث يلزمها بدفع قيمة الغاز بالجنيه المصري، لكن بحسب متوسط سعر صرف الدولار الذي يحدده البنك المركزي المصري.
وهنا تكمن الكارثة الحقيقية، إذ أن الربط بين استهلاك الغاز وسعر صرف العملة الأجنبية يفتح المجال أمام المزيد من ارتفاع الأسعار وزيادة أعباء المستثمرين والمواطنين على حد سواء، في ظل أزمة التضخم التي تعصف بالاقتصاد المحلي وتدهور قيمة الجنيه بشكل مستمر.
قرار الحكومة الذي نُشر في الجريدة الرسمية لا يعدو كونه خطوة أخرى في سلسلة من السياسات الكارثية التي تتبناها الحكومة تحت ضغط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
هذا الاتفاق الذي وقّعته مصر في ديسمبر 2022 للحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار على مدار 46 شهرًا جاء بشروط قاسية، منها تبني نظام صرف مرن أدى إلى انهيار الجنيه المصري وأحدث فوضى في الأسواق، وهو ما جعل المواطن المصري البسيط يدفع الثمن الأكبر من خلال ارتفاع الأسعار وتراجع مستوى المعيشة.
هذا القرار الذي يفرض على المستثمرين دفع قيمة الغاز بالدولار يفضح نية الحكومة المكشوفة لتغطية عجزها المالي عبر تحميل المستثمرين المحليين تكاليف إضافية تثقل كاهلهم، بدلاً من أن تسعى بجدية إلى إصلاح الأوضاع الاقتصادية المتهالكة.
القرار لا يراعي أبسط قواعد الاقتصاد السليم، حيث لا يمكن لأي دولة تعاني من أزمة عملة صعبة أن تفرض على المستثمرين المحليين تسديد مستحقاتهم بعملة أجنبية، في وقت يشهد فيه الاقتصاد ركودًا وتدهورًا غير مسبوق.
الأدهى من ذلك هو أن الحكومة المصرية، من خلال هذا القرار، تكشف عن إهمالها التام لأهمية دعم الصناعات الوطنية التي تمثل الركيزة الأساسية لأي اقتصاد مستدام.
بدلاً من اتخاذ خطوات لتعزيز الإنتاج المحلي وزيادة التصدير لتحصيل العملة الصعبة، نجد الحكومة تفضل الحلول السريعة والمؤقتة التي تزيد من تعميق الأزمة على المدى الطويل.
الصناعات المحلية التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي في تشغيلها ستتأثر بشكل مباشر بهذا القرار الكارثي، مما ينذر بارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي زيادة أسعار المنتجات المحلية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تراجع القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية.
وفي ظل هذا الواقع الاقتصادي المتدهور، يمكن القول بأن الحكومة المصرية تلجأ إلى هذه السياسات الغريبة فقط لتلبية شروط صندوق النقد الدولي، متجاهلة التداعيات الكارثية لهذه السياسات على المواطنين والصناعيين المحليين.
القرار يكشف عن تقاعس واضح من الحكومة في إيجاد حلول حقيقية لأزمة العملة الصعبة التي تعصف بالبلاد، ويظهر بوضوح فساد إدارتها الاقتصادية التي باتت عاجزة عن تحقيق أي تقدم ملموس في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
لا يمكن الحديث عن هذا القرار بمعزل عن حالة الفساد واللامبالاة التي تسيطر على الحكومة. فبدلاً من أن تعمل على تحسين البنية التحتية وتشجيع الاستثمار الداخلي، نجدها تصدر قرارات تصب في مصلحة المستثمرين الأجانب على حساب المستثمرين المحليين، وهو ما يعكس افتقارها الواضح للإرادة السياسية أو الرؤية الاقتصادية الحقيقية لإصلاح ما أفسدته السياسات السابقة.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن فرض سداد استهلاك الغاز بالدولار يأتي في وقت تعاني فيه مصر من نقص حاد في الاحتياطي النقدي الأجنبي.
الحكومة التي فشلت في تعزيز موارد الدولة من العملات الأجنبية تلجأ الآن إلى تحميل الأعباء على القطاع الصناعي، مما يزيد من احتمالات انهيار العديد من المصانع والشركات التي لن تتمكن من الاستمرار في ظل هذه الظروف القاسية. كل هذا يحدث بينما يتفرج المسؤولون على الوضع من دون أن يتحركوا لإنقاذ ما تبقى من اقتصاد البلاد.
وفي ظل هذه السياسات الفاشلة، يبقى السؤال الأكبر: لماذا تصر الحكومة على اتباع هذه النهج المدمر الذي يؤدي إلى إفقار الشعب وتعميق الفجوة بين الفقراء والأغنياء؟ لماذا تتقاعس عن إيجاد حلول عملية وجذرية لأزمة الاقتصاد بدلاً من اتخاذ قرارات مؤقتة لا تخدم إلا مصلحة الفئة القليلة من المستثمرين الذين يمتلكون القدرة على التعامل بالدولار؟ هذه الأسئلة تتزايد يومًا بعد يوم، في حين تزداد الأوضاع سوءًا.
من الواضح أن الحكومة المصرية لا تزال رهينة الفساد الإداري والمالي الذي يمنعها من اتخاذ قرارات جريئة وصحيحة. الاستمرار في تحميل الشعب أعباء أزمة الحكومة المالية يعكس مدى عمق الفساد الذي ينخر في كافة أركان الدولة.
وفي ظل هذه الأوضاع، من غير المتوقع أن تشهد مصر أي تحسن اقتصادي في المستقبل القريب ما لم تتخذ الحكومة خطوات جادة لإصلاح سياساتها والتخلص من الفساد المستشري.
ويمكن القول بأن القرار الأخير بسداد قيمة الغاز بالدولار يمثل تجسيدًا واضحًا لفشل الحكومة المصرية في إدارة الاقتصاد.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتزايد الأعباء على المستثمرين والمواطنين على حد سواء، يبدو أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو المزيد من التدهور ما لم تتغير السياسات بشكل جذري