استمرت مديرية التربية والتعليم بأسيوط منذ بداية العام الدراسي الجاري، في تنفيذ سياسات تعليمية غير منظمة، أثرت بشكل سلبي على سير العملية التعليمية.
ورغم التحذيرات المستمرة بشأن سوء الإدارة داخل المديرية، تتوالى الأحداث التي تؤكد فساد المسؤولين، والتقاعس الصارخ من وزارة التربية والتعليم في اتخاذ خطوات حاسمة لوقف هذا العبث.
وعليه، يبرز في هذا السياق السؤال الأكثر إلحاحًا لماذا تستمر الوزارة في غض النظر عن تلك التجاوزات؟ وما هي أبعاد الفساد المستشري في إدارة أسيوط التعليمية؟
فلم يعد هناك مجال للشك في أن مديرية التربية والتعليم بأسيوط أصبحت بؤرة فساد إداري وتعليمي تزداد تفشيًا يومًا بعد يوم، وها هي تتكشف أمام أعين الجميع فضائح متتالية تؤكد أن من يديرون هذه المديرية لا هم لهم سوى مصالحهم الشخصية، ولو كان على حساب مستقبل الأجيال القادمة.
يكاد يكون من المستحيل أن تتخيلوا مدى الفوضى التي تعيشها أسيوط في ظل وجود مسؤولين فاسدين، وهم على دراية تامة أنهم يتلاعبون بمصير عشرات الآلاف من الطلاب والمعلمين في المحافظة.
يستعرض اليوم موقع “أخبار الغد” أحد أسوأ مظاهر هذا الفساد الإداري، حيث أصدرت مديرية التربية والتعليم قرارًا إداريًا في 20 نوفمبر الماضي يقضي بعدم نقل أو ندب أي من أعضاء هيئة التدريس أو الإداريين خلال العام الدراسي، وهو القرار الذي كان من المفترض أن يحقق الاستقرار في العملية التعليمية، إلا أنه في أسيوط تحول إلى فرصة ذهبية للفساد وسوء استخدام السلطة.
فما كان يجب أن يكون قرارًا لضبط الأوضاع أصبح للأسف أداة لتعميق الفوضى وتوسيع دائرة المحسوبية والفساد في صفوف مسؤولي المديرية.
الواقع الذي يعلمه كل من يطلع على ما يحدث داخل إدارة أسيوط التعليمية يؤكد أن كل شيء يتم بطريقة غير قانونية، ووفقًا لأهواء شخصية لبعض المسؤولين الذين لا يعبؤون بمصلحة الطلاب أو المعلمين.
ومن أبرز هؤلاء المسؤولين “م. ح.”، الشخصية التي تدير الأمور من وراء الستار، رغم أنها لا تحمل أي صفة رسمية تُخول لها اتخاذ القرارات أو التأثير في سير العمل الإداري.
على الرغم من أن أحمد حسين ثابت هو وكيل إدارة أسيوط التعليمية والمكلف بتسيير أعمال مدير عام إدارة أسيوط التعليمية. هذا الرجل الذي يتمتع بسمعة نقابية محترمة، فهو النقابي المتميز حيث يشغل منصب أمين عام نقابة المعلمين بأسيوط، معروف بكفاءته في إدارة الأمور التعليمية وحرصه على تطوير العملية التربوية وقد كان دائمًا يثبت كفاءته في إدارة الأمور التربوية والتعليمية
ورغم ذلك، يعاني من استغلال بعض الشخصيات المحسوبة على الإدارة، مثل “م. ح.”، التي وضعت لنفسها سلطات موازية في الإدارة وأوجدت ما يسمى بـ “نظام الترانزيت”، وهو عملية تنقلات غير مبررة لعدد من مديري المدارس، لا علاقة لها بتحقيق أي أهداف تعليمية أو تربوية.
فإن “م. ح.” قد استولت على زمام الأمور، وأصبحت تهيمن على اتخاذ القرارات في الخفاء، رغم أنها لا تملك أي صلاحية فعلية.
ومن المثير للدهشة أن “م. ح.”، التي يُشاع أنها وراء الكثير من القرارات العشوائية وتتلاعب بمصير المدرسين والمدارس، كانت قد تم عزلها من منصبها بقرار من محافظ أسيوط السابق، لكن سرعان ما عادت لتشغل مكانتها السابقة بفضل تواطؤ بعض المسؤولين وما زالت تحظى بدعم وحماية من بعض المسؤولين، مما يثير الشكوك حول الدور الذي تلعبه هذه الشبكات الفاسدة داخل مديرية التربية والتعليم بأسيوط.
وهذا يطرح تساؤلًا كبيرًا: لماذا تُترك هذه الشخصيات الفاسدة لتدير العملية التعليمية في أسيوط؟ كيف يتم السماح لشخصية مثل “م. ح.”، التي لا تحظى بأي تأهيل إداري، بأن تكون في موقع المؤثر في قرارات لا حصر لها، تتعلق بمصير مئات المدارس وآلاف الطلاب؟
لقد أصبحت التنقلات العشوائية والغير مبررة للمسؤولين داخل مدارس أسيوط أداة للتلاعب والفساد. على سبيل المثال، تم نقل دعاء عبد الجواد، مديرة مدرسة الوليدية الإعدادية بنات، إلى مدرسة عزبة خلف الإعدادية المشتركة لمدة أسبوع، ثم تم نقلها إلى مدرسة أسماء بنت أبي بكر الإعدادية بنات، في حركة نقل لا طائل من ورائها سوى محاولة لزيادة السلطة والتأثير لدى بعض الشخصيات. لم يكن هذا النقل له أي مبرر تربوي، بل كان عملية تهدف إلى تحريك الأشخاص في المناصب وفقًا لمصالح خاصة.
والأمر ذاته تكرر مع مدير مدرسة عزبة جودة الإعدادية المشتركة، علاء الدين عبد المنعم، الذي تم نقله من مدرسته إلى مدرسة القناطر القديمة الإعدادية لمدة عشرة أيام، ليتم نقله بعد ذلك إلى مدرسة القناطر الجديدة الإعدادية، في حركة نقل غير مدروسة ومن دون مبررات تربوية واضحة.
وهكذا، يصبح من الواضح أن تلك التحركات لم تكن سوى أداة لزيادة النفوذ لبعض الشخصيات، وليس لها أي علاقة بتحقيق الأهداف التعليمية أو تطوير العملية التعليمية.
أما أسامة عبد اللطيف محمد، مدير مدرسة الإسلامية الإعدادية بنين، فقد تعرض هو الآخر لنقل غير مبرر، حيث تم نقله إلى مدرسة الزاوية الإعدادية لمدة عشرة أيام، ثم تم نقله بعد ذلك إلى مدرسة القناطر القديمة.
هذه التنقلات العشوائية التي لا تخدم العملية التعليمية في شيء تكشف حجم التلاعب الذي يمارسه المسؤولون في إدارة أسيوط التعليمية.
الفضيحة الكبرى تكمن في أن هذا التلاعب في حركة التنقلات لم يكن عشوائيًا أو غير مدروس فحسب، بل كان جزءًا من خطة ممنهجة يترأسها “م. ح.”، المدعومة من بعض المسؤولين المتنفذين في المديرية.
وعلى الرغم من أن وزير التربية والتعليم قد أصدر قرارًا يقضي بعدم إصدار أوامر نقل أو ندب خلال العام الدراسي، إلا أن هذا القرار لم يُنفذ بشكل جاد في أسيوط.
بل إن الوزارة، بتقاعسها الواضح عن متابعة أوضاع المديرية، أصبحت شريكًا في استمرارية هذا الفساد الممنهج الذي يهدد مستقبل آلاف الطلاب.
إن ما يحدث في أسيوط الآن هو كارثة حقيقية في حق التعليم، حيث يتم إهدار إمكانيات المدارس والمعلمين في صراعات غير مربحة، وبالتأكيد لن تساهم في تحسين مستوى التعليم في المحافظة.
إن هذا الفساد الإداري لا يضر فقط بمنظومة التعليم، بل يؤثر على الأجيال القادمة التي تعتمد على هذه المدارس للحصول على تعليم جيد يضمن لهم مستقبلاً أفضل.
كيف نسمح لشخصيات فاسدة مثل “م. ح.”، التي لا تحمل أي كفاءة إدارية، أن تظل تدير عملية حساسة مثل التعليم؟ لماذا لا يتم محاسبة هؤلاء الذين يعبثون بمصير أجيال كاملة؟ إن السكوت عن هذا الفساد يعني مشاركة ضمنية في تدمير العملية التعليمية في أسيوط. وكلما تأخرت الوزارة في التدخل، فإنها تصبح شريكًا في تدمير مستقبل أولادنا.
لقد حان الوقت ليتم اتخاذ إجراءات حاسمة، ليس فقط من قبل المسؤولين في أسيوط، بل من قبل وزارة التربية والتعليم نفسها.
إن ممارسات مثل “نظام الترانزيت” يجب أن تتوقف فورًا، ويجب محاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات بشدة، حتى لو كانوا يحظون بدعم بعض الشخصيات ذات النفوذ.
من الضروري أن تتحرك وزارة التربية والتعليم بشكل حاسم وفوري. على الوزارة أن تعيد النظر في جميع القرارات الصادرة عن إدارة أسيوط، وأن تتخذ خطوات ملموسة لوقف هذا الفساد الإداري، الذي أصبح يشكل تهديدًا حقيقيًا لكل من يسعى إلى تحسين التعليم في هذه المحافظة. إذا استمر هذا الوضع، فإن التعليم في أسيوط سيظل رهينة الفساد والتلاعب إلى أجل غير مسمى.