شحوط الباخرة السياحية “كروان فيجن” يعكس تقاعس الحكومة في مواجهة تكرار الحوادث بالنيل
تواصل حوادث شحوط البواخر السياحية في مجرى نهر النيل التسبب في إزعاج شديد للسياحة في مصر وتكشف عن التقاعس المستمر من قبل الجهات الحكومية في معالجة هذه المشكلة المستمرة.
في حادثة جديدة تضاف إلى سلسلة طويلة من الحوادث، تعرضت باخرة سياحية للشلل التام بعد أن جنحت بالقرب من إحدى الجزر النيلية في محافظة المنيا، وهي الحادثة التي تعرض خلالها نحو 59 سائحًا، أغلبهم من ألمانيا وفرنسا، لمواقف مرعبة، حيث كانوا في طريقهم إلى محافظة بني سويف.
الباخرة التي تعرضت للشحوط كانت قد انطلقت من مرسى في محافظة المنيا، وكان من المفترض أن تكمل مسيرتها إلى بني سويف. ومع وصولها إلى منطقة بني مزار، وقع الحادث المفاجئ الذي جعل السفينة تتوقف فجأة في مكان غير متوقع، لتغلق طريق الرحلة تمامًا.
ورغم وجود أكثر من خمسين سائحًا على متنها، بالإضافة إلى طاقمها، لم تتمكن السلطات المحلية من التعامل مع الحادث بشكل سريع وفعال، ما أثار الكثير من التساؤلات حول مدى استعداد السلطات لمواجهة مثل هذه الحوادث المتكررة في نهر النيل.
الواقعة تم الإبلاغ عنها فور حدوثها من قبل غرفة عمليات النجدة، حيث أرسلت قوات المسطحات المائية العائمات وكذلك سيارات الإسعاف إلى الموقع لتوفير الدعم، بينما كانت أعداد السياح الذين كانوا في تلك اللحظات في حالة من الارتباك والقلق، مما يزيد من مخاوف السياح الأجانب من تكرار الحوادث في المستقبل.
بالرغم من سرعة استجابة الأجهزة الأمنية في المنطقة، فإن الحادث يسلط الضوء على مستوى التقاعس الواضح من جانب الحكومة المصرية في معالجة مشاكل الملاحة النهريّة، خصوصًا في المناطق التي تعرف بكثافة حركة السفن السياحية.
فالاستجابة للمشكلة كانت مقتصرة على إرسال قاطرة لسحب الباخرة دون أن يتم اتخاذ أي تدابير وقائية حقيقية تضمن عدم تكرار الحوادث. كانت هناك محاولات لإنقاذ الموقف، ولكن في النهاية كانت هذه الحلول جزءًا من معالجة المشكلة بشكل مؤقت، في حين أن المشكلة الرئيسية لم تجد الحلول المناسبة.
من المعروف أن منطقة نهر النيل في مصر تشهد حركة بحرية ضخمة لعدد كبير من البواخر السياحية، والتي تشهد العديد من الحوادث المماثلة سنويًا.
وقد أصبح هذا الأمر يشكل تهديدًا كبيرًا لسمعة السياحة المصرية، التي تعتمد بشكل كبير على زيارة الأجانب في رحلات نهرية عبر النيل. ومع تزايد هذه الحوادث، يبقى السؤال الأهم: إلى متى ستستمر الحكومة في تجاهل هذه المشكلة التي أصبحت تؤثر سلبًا على سمعة مصر في المجال السياحي؟
تكرر حوادث شحوط البواخر السياحية على نهر النيل لا يقتصر فقط على التقاعس الحكومي في ضمان سلامة السياح بل يفتح أيضًا الباب للتساؤلات حول فساد النظام المسؤول عن إدارة الملاحة في النيل.
فهل تم اتباع الإجراءات اللازمة قبل السماح للبواخر بالإبحار؟ هل تم تجهيز تلك البواخر بما يتناسب مع معايير السلامة البحرية الدولية؟ هل تمت دراسة فعالة للممرات الملاحية لتقليل المخاطر؟
الواقع يشير إلى أن هناك تهاونًا كبيرًا من قبل السلطات المحلية في تنفيذ صيانة دورية للبواخر وفي فحص الممرات النهرية. يتمثل الحل الأمثل في اتخاذ إجراءات صارمة تشمل تحديث أسطول البواخر السياحية على مستوى السلامة، وكذلك فرض رقابة على وضعية مجرى النيل، حيث أصبح واضحًا أن معايير السلامة لم تكن مطابقة لأبسط الأسس المطلوبة.
هذا فضلاً عن غياب البنية التحتية اللازمة لتعزيز أمان الحركة الملاحية في النيل، وهي نقطة تقاعس كبيرة تتناقلها التقارير دون أن تجد صدى حقيقيًا في ردود الفعل الحكومية.
فتكرار هذه الحوادث يهدد بتراجع أعداد السياح، ما يعني خسارة كبيرة للاقتصاد الوطني، في وقت تحتاج فيه مصر إلى كل دعم ممكن لصناعة السياحة المتعثرة.
من العوامل التي تساهم في تكرار هذه الحوادث أيضًا، غياب الشفافية والمساءلة في ما يتعلق بتقارير السلامة الخاصة بالبواخر السياحية. فالمعلومات حول الصيانة الدورية للباخرات ومدى التزام الشركات المالكة للباخرة بالإجراءات الوقائية تبقى غامضة في ظل غياب الرقابة الحقيقية.
على الرغم من التصريحات المتكررة التي تشير إلى وجود خطط لحل هذه المشكلة، إلا أن الواقع يؤكد أن هناك نوعًا من الفساد المستشري في النظام الإداري المسؤول عن تنظيم حركة الملاحة على نهر النيل.
تتطلب هذه الأزمة تحركًا حقيقيًا وجادًا من الحكومة لتطبيق رقابة صارمة على كل البواخر السياحية في مصر. هذا يتضمن إعادة النظر في الإجراءات المعتمدة في عمليات الفحص والصيانة للبواخر قبل انطلاقها. كما يجب أن تكون هناك بنية تحتية مؤهلة ومتكاملة للتعامل مع الطوارئ في أي لحظة.
لا يمكن السماح بأن تظل الأمور على هذا النحو من الإهمال، مما يؤدي إلى تعرض المزيد من السياح للخطر مع كل حادث جديد.
فإن الحكومة المصرية، من خلال تقاعسها المستمر عن اتخاذ خطوات جادة للحد من هذه الحوادث، تساهم بشكل غير مباشر في تدمير سمعة السياحة في مصر.
إن المعالجة الفعالة لهذا الموضوع تبدأ أولًا من محاسبة كل الجهات المعنية ومحاسبتها عن الإهمال في التصدي لهذه المخاطر التي تهدد الأمن والسلامة في النيل.