أتممت اليوم ستين عامًا من العمر، خمسة وأربعين عامًا منها قضيتها في العمل العام: سياسيًا، إعلاميًا، حزبيًا، نيابيًا وقانونيًا، ستة عقود مضت أتمنى أن أكون قد أديت فيها واجبي قدر المستطاع، وأوفيت بوعدي لأبي وأمي: ألا أخاف يومًا من ظالم، وألا أتخلى عن مظلوم، وأن أحب وطني وإن جار عليَّ، وأسامح حتى من ظلمني.
حاولت، ونجحت أحيانًا وفشلت أحيانًا أخرى، لكنني لم أتوقف عن المحاولة، يبدو أن الذين يُولدون في ديسمبر، شهر العواصف، لا تهزهم الرياح. ورغم تعاقب موجات الظلم والألم، لم أفقد يومًا إيماني بوطني، رغم الخناجر التي تُغرس في ظهري كل يوم: في حريتي، في منفاي، وحتى في سجني. من يدخل الغابة لا يخشى حفيف الأشجار
في أربعة عقود متعاقبة، خضت عشرات المعارك: • طلابية، حزبية، برلمانية، ورئاسية. دخلت المعتقل خمس مرات، كانت أطولها بعد أول انتخابات رئاسية في تاريخ مصر، حين ترشحت عام #٢٠٠٥، وكنت أعلم أن الطريق طويل وشاق ومكلف.
رغم مرور ما يقارب عقدين على تلك الانتخابات، إلا أن الله ما زال يمتحن صبري وقدرتي على التسامح. فما عشته خلال تلك الأعوام يكفي لألف عام من الدراما الإغريقية، حيث اجتمعت قسوة الحياة وغدر البشر، والمأساة في قالب واحد. تري…كيف يُحسب عمر الإنسان؟ هل بعدد الأيام السعيدة؟ أم بحجم الأهوال التي واجهها؟ هل بعدد الأحلام التي تحققت، أم بتلك التي تحولت إلى كوابيس؟ .
منذ سنوات كتب الراحل جمال خاشقجي علي تويتر أنا و أيمن اصدقاء من 500 سنه أدهشتني واسعدتني يومها هذه المبالغة واليوم اقول:- نعم، أتممت اليوم ستين عامًا، لكنني أشعر أنني عشت ألف عام.
ومن بين الألف عام يبقي يوم 5 ديسمير دائمًا يومًا استثنائيًا في حياتي: • فقد ولدت فيه عام ١٩٦٤. • وانتُخبت فيه رئيسًا لاتحاد طلاب الجمهورية عام ١٩٧٩. • وفيه أصبحت نائبًا بمجلس الشعب عام ١٩٩٥. • و كتبت فيه أولى مقالاتي في جريدة “الوفد” عام ١٩٨٤. • وفيه أيضًا، سُجنت، عام 2005 وفيه ايضا خرجت من الاعتقال 2009 واليوم، في عام ٢٠٢٤، أكتب لكم هذه السطور عبر برنامج صوتي بعد أن أصابني نزيف في عيني اليسرى، ليحرم يدي من الإمساك بقلمي، أعز ما أملك منذ ستين عامًا. إنه حقا يوم استثنائي للأحلام والآلام! في روزنامه حياتي.. احمد الله فمعظم أحلامي تحققت، ليس بجهدي ، بل بفضل الله وكرمه. أما آلامي، فجاءت غالبًا من رحم أحلامي التي لم تتحقق.
عندما كنت صغيرًا، كانت معاني الكلمات مستقرة في ذهني، تحمل معناها الصافي: الحب يعني الحب، الوطن يعني الوطن، الشرف هو الشرف، والصداقة هي الصدق. لكنني لم أتصور يومًا أن شرف حب الوطن قد يُفسَّر بالخيانة، أو أن الصداقة قد تتحول إلى غدر، أو أن السياسة قد تصبح ميدانًا للمصالح المظلمة.
بعد ستين عامًا، أشكر الله على كل دقيقة عشتها،في سجني ومنافي وحريتي “فلولا الاستبداد، لما عرفت قيمة الحرية. ولولا الغدر، لما أدركت عظمة الوفاء. ولولا الظلم، لما فهمت معنى العدل.” أستفدت من كل طعنة وجهت لي أكثر من كل تصفيق تلقيته وفرحت به. كل عثرة صادفتني كانت وقفة، وكل ظلم تعرضت له حفزني للعدل مع الناس.
نعم ..حياتي كانت سلسلة من المعارك: اخترت بعضها، واختارت لي الحياة معظمها. انتصرت في بعضها، وانهزمت في قليل، منها ،لكنني تعلمت من كل هزيمة كيف أنتصر. أزعم اني خلال٦٠ عامًا لم يولد فيهم بعد ، من يستحق أن يلوث قلبي بالكراهية، أو يثقل عقلي بالغباء، أو يغرق ضميري في شهوة الانتقام. • فالانتقام من البشر. ضعف إيمان بقدره المنتقم
60 عاما وانا أدعو الله أن يقوي قلبي بالإيمان والحب له ولخلقه، وأن يمنحني القدرة على حمل قلمي رغم الألم، والمرض،ليظل شاهدًا على رحلتي. أؤمن ان الحب هو المصل الواقي من فيروس الكراهية، الذي أصاب بلادنا واهلنا وألم بالضمير العام.”
وفي يومي الأول من عقدي السابع، أشهد أنني لم أكره شخصًا لذاته، بل أكره أفعاله لأنني أحب له ما هو أفضل. “من يحمل الكراهيه في قلبه، لن يعرف طريقًا للسعادة أو الحب.”