تقاريرمصر

تخصيص 9094 متر مربع لحل أزمة مقرات قضاة مصر يكشف فساد الحكومة

بعد أيام من التوتر والاحتقان، ظهرت أزمة جديدة تعكس فشل الحكومة المصرية في إدارة أمور البلاد بكفاءة وشفافية، هذه المرة على خلفية مطالبة أحد الأجهزة الحكومية القوية بإخلاء مقرات القضاة على ضفاف نهر النيل، ليأتي التدخل الرئاسي بعد تصاعد الأزمة بين عدة أطراف في الدولة، وبينما كانت المسألة تبدو إدارية بحتة، إلا أنها أظهرت مدى التعسف والفساد المستشري داخل أروقة الحكومة المصرية.

تتجلى أبعاد الأزمة في مطالبة أحد الأجهزة بتسليم مقرات قضاة الدولة وممثلي النيابة الإدارية، وهي مقرات تقع في أحد المواقع الحيوية على ضفاف نهر النيل، وتحديدًا في شارع عبد العزيز آل سعود بالجيزة. وتشمل هذه المساحات أراضٍ مخصصة لنشاطات اجتماعية وخدمية تخص القضاة والمستشارين وعائلاتهم.

ورغم أهمية هذه المقرات، إلا أن الحكومة كانت قد قررت إنهاء عقود الانتفاع بهذه الأراضي، ما أثار غضب القضاة، ودفعهم إلى المطالبة بالتدخل العاجل لحل هذه الأزمة التي تهدد استقرار عملهم وظروفهم المعيشية.

لكن الأزمة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تقاعس طويل الأمد من الحكومة المصرية، التي ظلت تتجاهل حاجات مؤسسات الدولة، وتُركز جهودها على قضايا أقل أهمية بالنسبة للمواطنين.

وبينما كانت الحكومة تتلكأ في توفير حلول بديلة، كان السيسي يتدخل أخيرًا ليعلن عن تخصيص أراضٍ بديلة للمقرات المهددة بالإخلاء.

وفقًا لما نشرته بعض وسائل الإعلام المحلية، فإن السيسي أصدر توجيهات بتخصيص قطعة أرض جديدة للقضاة في نفس الموقع المطل على النيل، بمساحة 4657.38 متر مربع، بهدف استبدال المقر الحالي لقضاة مجلس الدولة.

ولم يكن هذا القرار كافيًا لحل الأزمة بشكل كامل، فقد تم تخصيص قطعة أرض أخرى بمساحة 405 متر مربع لتقديم خدمات إضافية مثل الشهر العقاري، الأحوال المدنية، وشرطة المرور.

ولكن، هل كان هذا الحل يعكس اهتمامًا حقيقيًا بتحقيق العدالة، أم أنه مجرد محاولة لتجاوز أزمة سياسية باتت تلوح في الأفق؟ الواقع أن الحكومة المصرية تأخرت في التعامل مع هذه الأزمة، وظهرت عاجزة عن توفير حلول سريعة وعادلة.

وبينما تستمر الحكومة في تجاهل متطلبات القضاة، نجد أن الرئيس السيسي يضطر للتدخل الشخصي من أجل احتواء الأزمة، وهو ما يكشف ضعف النظام الإداري والحكومي.

وفي الجانب الآخر من الأزمة، أعلن أحد المسؤولين عن توجيهات مشابهة تخص مستشاري النيابة الإدارية، حيث تم تخصيص قطعة أرض بديلة بمساحة 4532.44 متر مربع في نفس الموقع، على ضفاف نهر النيل أيضًا. وكما هو الحال مع قضاة مجلس الدولة، تم تخصيص قطعة أرض إضافية بمساحة 405 متر مربع لخدمات إضافية تتعلق بالشهر العقاري والأحوال المدنية وغيرها، لتسهيل خدمات المستشارين.

ومن هنا يتضح أن الحكومة المصرية لم تكن مستعدة بشكل جيد لهذه الأزمة. إذ كيف يعقل أن تترك مؤسسات قضائية حساسة تعاني من مشكلات تتعلق بالبنية التحتية والمقرات، في حين تصب اهتمامها في مشاريع أخرى أقل أهمية؟ إنه مثال واضح على الفساد الإداري وسوء التخطيط الذي يطغى على معظم قطاعات الدولة.

فرغم أهمية مؤسسات القضاء في تحقيق العدالة، إلا أن الحكومة لم ترَ في حل هذه الأزمة أولوية قصوى، ما أدى إلى تدخل القيادة السياسية بشكل مباشر.

ويعود أصل هذه الأزمة إلى مطالبة جهاز حكومي بتسليم أراضي المقرات بعد انتهاء عقود الانتفاع، ما دفع القضاة والمستشارين إلى الشعور بالتهديد على مصالحهم وأسرهم.

فقد كانت تلك المقرات مكانًا يجمع بين النشاطات الاجتماعية والخدمية، وخصوصًا رعاية أسر المتوفين من القضاة والمستشارين، وهو ما يبرز الدور الحيوي لهذه المقرات. ومع ذلك، فإن الحكومة لم تقدم بدائل مناسبة لهذه المقرات حتى تدخل الرئيس بشكل عاجل.

ورغم أن قرار السيسي بتخصيص أراضٍ بديلة قد يكون محاولة لحل الأزمة، إلا أنه لا يخفي التقاعس الذي أبدته الحكومة المصرية على مدى السنوات الماضية في التعامل مع احتياجات مؤسسات الدولة.

إن هذه الأزمة ليست سوى نموذج صغير على حجم الفساد الذي يعصف بالبلاد. فبدلاً من أن تكون الحكومة قادرة على إدارة شؤونها بشكل سلس وفعال، نجدها في كل مرة تحتاج إلى تدخل الرئاسة لإصلاح الأوضاع، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة النظام الحالي على التعامل مع الأزمات بشكل استباقي وعملي.

لقد أدى سوء الإدارة إلى تصاعد هذه الأزمة، وبينما كانت القضية تتعلق فقط بمقرات القضاة والمستشارين، فإنها تعكس صورة أوسع عن الإهمال والفساد الذي يطغى على الحكومة المصرية.

فكيف يمكن لنظام يزعم الإصلاح أن يترك مؤسساته الأساسية تعاني من مثل هذه المشكلات؟ إنه سؤال يحتاج إلى إجابة، لكن الإجابة الواضحة تكمن في أن النظام الحالي غير قادر على تلبية احتياجات مؤسسات الدولة، ولا حتى على ضمان استقرارها.

وفي ظل هذه الأزمة، يبدو أن الحكومة لم تكن تمتلك أي خطة بديلة لحل هذه المشكلة دون تدخل مباشر من الرئيس، وهو ما يعكس بشكل صارخ ضعف الهيكل الإداري للدولة.

وبينما تم تخصيص أراضٍ جديدة للقضاة والمستشارين، يبقى السؤال المطروح: إلى متى ستظل الحكومة المصرية تعتمد على الحلول المؤقتة والتدخلات الرئاسية في إدارة شؤونها؟

وهذه الأزمة ليست سوى قمة جبل الجليد الذي يمثل حجم الفساد والفشل الحكومي المتراكم في مصر. فبينما تواصل الدولة تجاهل الأزمات حتى تتفاقم، يظل المواطنون ومؤسسات الدولة هم من يدفعون الثمن.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى