في خطوة كارثية تزيد من العبء على الاقتصاد المصري وتعكس الفشل المستمر للحكومة في معالجة الأزمات الاقتصادية أعلنت الحكومة المصرية بداية من الأول من ديسمبر الجاري عن قرار جديد يقضي بتحصيل قيمة الغاز الطبيعي الذي يتم توريده للأنشطة الصناعية في المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية بالدولار الأمريكي بدلاً من الجنيه المصري كما كان معمولًا به سابقًا
وهذه الخطوة تأتي في وقت تتزايد فيه أزمات البلاد الاقتصادية والنقدية التي مازالت تترسخ بشكل يومي على حساب الشعب المصري الذي يعاني من التدهور المستمر في مستوى المعيشة وزيادة الفقر والبطالة.
ويكشف هذا القرار عن عمق التقاعس الحكومي في معالجة أزمة الطاقة التي تضرب البلاد والتي تزداد تفاقماً بسبب فشل الحكومة في توفير الغاز الطبيعي بأسعار معقولة ما يرفع التكاليف على الصناعات المختلفة بما في ذلك تلك التي تعتمد على المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية التي تعتبر من العوامل الرئيسية في تعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل.
ويتضح من القرار الذي تم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 1 ديسمبر أن الحكومة المصرية لا تزال تراهن على الاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي دون أي اعتبار للمواطنين الذين يتحملون تبعات هذه السياسات الفاشلة والتي تؤدي إلى ارتفاع التكاليف بشكل كبير على الأنشطة الصناعية وزيادة الضغط على الصناعات التي تعمل في هذه المناطق، ما قد يؤدي إلى تراجع صادرات مصر من المنتجات الصناعية ويزيد من مخاطر تدهور الاقتصاد المصري.
وكان صندوق النقد الدولي قد أشار في تقريره الصادر في أغسطس الماضي إلى ضرورة أن تقوم الحكومة المصرية بإعادة تقييم العوائد الاقتصادية والمالية من المناطق الحرة على أن يتم ذلك بحلول نهاية سبتمبر من نفس العام،
وأوصى التقرير بضرورة تقليص هذه المناطق بشكل تدريجي ومراقبة أي شراكات بين القطاعين الخاص والعام فيها وذلك ضمن سياسة التقشف التي يفرضها الصندوق على الحكومة المصرية.
وهذا يعكس الحالة المزرية التي تعيشها البلاد في ظل تخبط الحكومة التي تتعامل مع الأزمات بطريقة غير فعّالة. فبدلاً من العمل على تحسين السياسات الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية في هذه المناطق لتحسين الوضع الاقتصادي العام، نجد أن الحكومة تقرر فرض رسوم إضافية على الأنشطة الصناعية التي تمثل شريانًا أساسيًا للاقتصاد الوطني.
تعد المناطق الحرة في مصر من أهم المحاور التي تعتمد عليها الحكومة في تعزيز صادراتها ودعم النشاط الصناعي. فهي مناطق جغرافية يتم فيها تنفيذ نشاط اقتصادي متنوع ويتمتع المستثمرون فيها بالإعفاء من الرسوم الجمركية بالإضافة إلى حوافز ضريبية واسعة ودعم إداري شامل في ما يخص التصاريح والتراخيص، وهو ما يجعلها بيئة ملائمة للاستثمار.
وتحتوي مصر على 9 مناطق حرة عامة مملوكة بالكامل للدولة، في مقابل أكثر من 200 منطقة حرة تابعة للقطاع الخاص والتي تتركز بنسبة 90% منها في مدن القاهرة والإسكندرية والسويس.
تشير الإحصائيات إلى أن صادرات المناطق الحرة قد تجاوزت 20 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وهو ما يمثل حوالي 40% فقط من إجمالي إنتاج هذه المناطق، وهذا يدل على القدرة الكبيرة التي تمتلكها هذه المناطق في دعم الاقتصاد المصري لو أُحسن استغلالها بشكل صحيح.
لكن في المقابل، تشير الأرقام إلى أن الحكومة تواصل سياسة التهميش لهذه المناطق وتقليص قدرتها الإنتاجية، وهو ما يثير علامات استفهام حول نوايا الحكومة في هذا المجال.
هل تسعى الحكومة فعلاً لتطوير المناطق الحرة وجعلها أكثر جذبًا للاستثمار أم أنها تواصل سياسة الإهمال التي تكشف عن الفساد الكبير الذي يضرب مفاصل مؤسسات الدولة؟
إن القرار الذي اتخذته الحكومة بتحصيل قيمة الغاز الطبيعي بالدولار يعكس عجز الحكومة عن معالجة الأزمات الاقتصادية الحقيقية كما يعكس التقاعس التام في اتخاذ خطوات عملية لخفض تكاليف الإنتاج المحلي وتعزيز الصناعات الوطنية.
والنتيجة الحتمية لهذا القرار ستكون زيادة تكلفة الإنتاج في القطاعات الاقتصادية المختلفة التي تعمل في هذه المناطق، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية والصادرات ويزيد من التحديات التي تواجه هذه القطاعات.
ويعكس ذلك أيضًا فساد الحكومة المصرية في التعامل مع الأزمات المالية والاقتصادية. إذ لا يمكن أن تقتصر الحلول على رفع الأسعار وفرض الرسوم والضرائب دون العمل على توفير حلول حقيقية لتحسين البنية التحتية وتطوير قطاعات الاقتصاد المختلفة.
لكن يبدو أن الحكومة المصرية لا تملك أي رؤية حقيقية لتحسين الأوضاع الاقتصادية وتكتفي بإملاءات صندوق النقد الدولي التي تزيد الأمور تعقيدًا وتنعكس سلبًا على المواطن المصري الذي أصبح ضحية سياسات فاشلة تدمّر مستقبل الأجيال القادمة.
ويظهر أن الحكومة المصرية تستمر في التراخي والتقصير في معالجة الأزمات العميقة التي تعيشها البلاد. فبدلاً من اتخاذ خطوات جادة نحو تحسين الوضع الاقتصادي من خلال سياسات مبتكرة تدعم الصناعة الوطنية وتقلل من تكاليف الإنتاج، نجد أن الحكومة تعمد إلى تحميل المواطن عبئًا إضافيًا على شكل زيادة في تكلفة الغاز الذي يعد من أهم الموارد الأساسية التي تعتمد عليها الصناعات المحلية.
وبذلك يصبح من الواضح أن الحكومة لا تملك خطة عملية للتعامل مع هذه الأزمة بشكل حكيم بل تواصل سياسة الإهمال والفساد التي تزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي في مصر.