تقاريرمصر

الحكومة المصرية ترضخ للضغوط الدولية وتطرح شركات الجيش في البورصة وتتجاهل معاناة الشعب

في ظل تزايد الجدل والغضب الشعبي حول الدور المتزايد للشركات التابعة للمؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري، وبعد شهور من التكهنات والضغوط الدولية،

أعلنت الحكومة المصرية أخيرًا عن خطوة جديدة تتعلق بطرح بعض هذه الشركات في البورصة. هذا القرار يأتي في وقت حساس للغاية، حيث تواجه البلاد أزمات اقتصادية حادة وديونًا خارجية ضخمة، ما يعكس حالة من التقاعس الحكومي الواضحة في التعامل مع التحديات المتفاقمة.

خلال مؤتمر صحفي عقد مؤخرًا، تم الإعلان عن نية الحكومة طرح ثلاث أو أربع شركات مملوكة للقوات المسلحة في البورصة المصرية، في محاولة واضحة لاسترضاء المؤسسات المالية الدولية التي طالبت منذ فترة بتقليص دور الجيش في الاقتصاد. إلا أن هذا القرار الذي يفترض أنه يأتي في إطار خطة إصلاح اقتصادي أكثر شمولاً، أثار تساؤلات عديدة حول مدى جدية الحكومة في التعامل مع الملفات الاقتصادية المعقدة التي تهدد مستقبل البلاد.

من الواضح أن الحكومة المصرية لا تزال تتجنب الإفصاح عن التفاصيل الدقيقة المتعلقة بهذه الشركات أو الأسباب الحقيقية وراء طرحها في الوقت الراهن. ولم تقدم الحكومة أي شرح مفصل عن هذه الشركات أو نوعية الأنشطة التي تزاولها، واكتفت بالإشارة إلى أنها ستعرض خطتها الكاملة خلال الأسبوع المقبل، في خطوة تعكس مدى الارتباك الحكومي في إدارة ملف الاقتصاد.

التقارير المتداولة تؤكد أن هذا الطرح جاء استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، الذي كان قد أوصى في وقت سابق بضرورة مراجعة الدور المتزايد للمؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري، خاصة في ظل الديون المتراكمة وحالة الركود الاقتصادي التي تعاني منها البلاد. وكشفت تقارير صحفية سابقة أن الصندوق قد طلب تقليص دور الجيش في الأنشطة الاقتصادية كشرط أساسي لاستمرار الدعم المالي للحكومة المصرية، في إشارة واضحة إلى الفساد المستشري في هذا القطاع.

ولا يمكن إغفال أن قرار طرح شركات الجيش في البورصة يأتي في وقت بالغ الصعوبة على المستوى الإقليمي والدولي، حيث تعاني البلاد من تداعيات اقتصادية سلبية ناتجة عن ظروف معقدة، أبرزها الركود الاقتصادي العالمي المتوقع خلال السنوات المقبلة، والتضخم المستمر الذي يلتهم القدرة الشرائية للمواطنين. في ظل هذه الظروف، يبدو أن الحكومة المصرية قد أجبرت على اتخاذ هذا القرار، رغم ما يشكله من خطر على سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد.

هذا القرار يأتي بعد أن أطلق رئيس البلاد تصريحات مثيرة للجدل في أكتوبر الماضي، دعا فيها إلى مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في حال تسبب برنامجه للإصلاح الاقتصادي في ضغوط تفوق قدرة الشعب على التحمل. هذه التصريحات، التي تعكس اعترافًا ضمنيًا بفشل السياسات الاقتصادية المتبعة، لم تجد لها أي صدى عملي حتى الآن، بل استمرت الحكومة في تنفيذ نفس السياسات التي تسببت في تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

الأوضاع الاقتصادية في مصر تتدهور بشكل متسارع، حيث تواجه البلاد أزمة ديون غير مسبوقة، وصلت إلى مستويات خطيرة. وفقًا لأحدث البيانات، تجاوز الدين الخارجي لمصر حاجز الـ160 مليار دولار، بينما لا تزال الاحتياطيات النقدية تعاني من التآكل بسبب الإنفاق الحكومي غير المبرر. الحكومة المصرية تبدو عاجزة عن تقديم حلول حقيقية للأزمات، مكتفية باللجوء إلى القروض والمساعدات الخارجية التي تزيد من أعباء الديون، دون تحقيق أي تقدم فعلي في تحسين معيشة المواطنين.

الطرح المرتقب لشركات الجيش في البورصة يمثل محاولة بائسة لتهدئة المجتمع الدولي، خاصة بعد الضغوط المتزايدة من صندوق النقد الدولي. إلا أن هذه الخطوة لا تعدو كونها مسكنًا مؤقتًا، حيث أن بيع هذه الشركات قد يؤدي إلى فقدان السيطرة على قطاعات حيوية، وهو ما يهدد بإضعاف المؤسسة العسكرية، التي تسيطر بشكل مباشر وغير مباشر على نسبة كبيرة من الأنشطة الاقتصادية في البلاد.

الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية يزيد من تعقيد المشهد، حيث تعاني مصر من سوء إدارة الموارد المالية وتبديد الأموال العامة على مشروعات غير منتجة. الحكومة الحالية، ومن سبقها، أهملت تمامًا القطاعات الحيوية التي يمكن أن تسهم في تحسين الاقتصاد مثل الصناعة والزراعة والتعليم، وركزت بدلاً من ذلك على مشروعات بنية تحتية عملاقة لم تحقق الفائدة المرجوة على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة كانت تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية، حيث اعتمدت بشكل كبير على الاقتراض الخارجي دون التفكير في كيفية سداد هذه الديون. وبدلاً من استغلال هذه الأموال في مشروعات إنتاجية يمكن أن تدر عوائد على الاقتصاد، تم توجيهها إلى مشروعات غير مجدية على المدى الطويل، ما أدى إلى تفاقم الأزمات وزيادة الأعباء على المواطنين.

في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن هذه الخطوة، يعاني المواطن المصري من تضخم غير مسبوق، حيث وصلت معدلات التضخم إلى أكثر من 30%، بينما تتآكل الأجور بفعل ارتفاع الأسعار. ورغم هذه الأوضاع، لم تقدم الحكومة أي خطة واضحة لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، بل اكتفت بإجراءات تزيد من معاناة المواطنين، مثل رفع أسعار الوقود والكهرباء والسلع الأساسية.

وبالنظر إلى مجمل المشهد، يبدو أن الحكومة المصرية لم تدرك حتى الآن حجم الكارثة التي تواجهها البلاد، فهي تواصل تنفيذ نفس السياسات الفاشلة التي قادت إلى هذه الأزمات. في الوقت نفسه، فإن الطرح المزمع لشركات الجيش في البورصة لا يعكس سوى محاولة يائسة لتجنب السقوط الحتمي في فخ الإفلاس، خاصة وأن هذه الخطوة لن تحل المشكلات الهيكلية العميقة التي يعاني منها الاقتصاد المصري.

يتضح أن الحكومة المصرية، برغم جميع التحذيرات الداخلية والخارجية، مستمرة في نهجها الذي لا يراعي مصالح الشعب ولا يعالج جذور الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة. طرح شركات الجيش في البورصة، رغم كونه خطوة تعكس الضغوط الدولية، إلا أنه لا يمكن أن يكون حلاً حقيقيًا، بل هو إقرار بفشل النظام الاقتصادي المعتمد على الفساد وسوء الإدارة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى