في الوقت الذي يعاني فيه الشعب المصري من تدهور الأحوال السياسية وتردي أوضاع البلاد يظهر على الساحة السياسية تشكيل حزب جديد يحمل اسم “اتحاد مصر الوطني” في محاولة مفضوحة لإعادة تدوير فساد الحزب الوطني المنحل، الحزب الذي حكم مصر بقبضة من حديد لعقود وتركها تعاني من الفقر والفساد والقمع.
هذه المحاولة تعيدنا إلى الوراء لتكرار نفس السياسات التي أطاحت بنظام الحزب الوطني عبر ثورة 25 يناير، حيث اجتمع عدد من الشخصيات العامة والسياسيين المشبوهين في فندق “كمبنسكي” بالقاهرة تمهيداً لدخول الانتخابات البرلمانية القادمة في عام 2025، ما يعكس محاولة جديدة للسيطرة على البرلمان وإعادة تشكيل المشهد السياسي بما يخدم مصالح قلة من المستفيدين.
تقول المصادر إن هذا الحزب الجديد سيترأسه إبراهيم العرجاني، الرجل الذي لطالما لاحقته الاتهامات الجنائية واستفاد من العفو الرئاسي للنظام الحالي، وهو المعروف بفرضه إتاوات ضخمة تصل إلى آلاف الدولارات على الفلسطينيين الراغبين في دخول مصر عبر معبر رفح.
هذا الاسم وحده كافٍ لتوضيح حجم الفساد الذي يستشري في هذا الكيان السياسي الذي يُبنى من أجل تمكين مجموعة من الشخصيات ذات النفوذ والمصالح الشخصية.
الحزب الجديد يخطط لتكوين مجلس رئاسي يضم خمس شخصيات من أكبر السياسيين في مصر، في مقدمهم العرجاني، بالإضافة إلى مجموعة من الوزراء السابقين والنواب والشخصيات العامة الذين يشتهرون بالتبعية الكاملة للنظام واستغلالهم لمناصبهم من أجل تحقيق مكاسب شخصية.
أبرز الأسماء المطروحة لعضوية الحزب تشمل: وزير الإسكان السابق عاصم الجزار، ووزير الزراعة السابق السيد القصير، ووزيرة التضامن السابقة نيفين القباج، ورئيس مجلس النواب السابق الدكتور علي عبدالعال. كما يضم الحزب أيضاً نواباً في البرلمان مثل أحمد رسلان، ومجدي مرشد، وهشام مجدي، ومارغريت عازر، وعاطف مخاليف، وسليمان وهدان.
هذا بالإضافة إلى شخصيات دينية وشخصيات أمنية مثل الشيخ السيد الإدريسي، أحد مشايخ الطرق الصوفية، واللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية الأسبق.
هذا التشكيل المشبوه للحزب يثير العديد من التساؤلات حول الهدف الحقيقي من وراء إنشائه، في ظل حالة من الانهيار السياسي في مصر، حيث لم تعد معظم الأحزاب السياسية المصرية تلعب أي دور فعال في الشارع السياسي، بل أضحت مجرد ديكورات سياسية تهدف إلى تزيين المشهد أمام المجتمع الدولي وإعطاء شرعية زائفة للنظام الحالي.
على الرغم من هذا المشهد الفوضوي، إلا أن النظام لا يزال يحاول إعادة إنتاج نفس السياسات القديمة التي تهدف إلى قمع الحريات وإقصاء أي معارضة حقيقية.
الحزب الجديد، المكون من خليط من رجال الأعمال والسياسيين الفاسدين، ليس إلا امتداداً لنفس الشبكة التي كانت تتحكم في الدولة وتستغل مواردها لصالح فئة صغيرة من المستفيدين.
ولا يخفى على أحد أن هذه الأسماء ليست جديدة على الساحة السياسية، فقد تورط العديد منهم في فضائح فساد وسوء إدارة خلال فترة توليهم مناصبهم الرسمية، ويأتي على رأسهم إبراهيم العرجاني الذي يُعتبر مثالاً صارخاً لاستغلال النفوذ، حيث يمارس أفعالاً غير قانونية تحت حماية النظام، بما في ذلك فرض إتاوات على الفلسطينيين المحاصرين.
الاستعدادات للانتخابات البرلمانية القادمة في عام 2025 تعكس نية النظام في تعزيز سيطرته على المشهد السياسي، حيث يسعى إلى تشكيل مجلس نواب جديد يكون ولاؤه المطلق للنظام، ويخدم مصالح القلة الحاكمة على حساب الشعب المصري.
ومع وجود شخصيات مثل علي عبدالعال، الذي شغل منصب رئيس مجلس النواب خلال السنوات الماضية ولم يقدّم أي مساهمة تذكر في خدمة مصالح الشعب، فإن هذا الحزب لا يبدو أنه سيعمل لصالح الوطن أو المواطن.
انتقاد المتابعين لتشكيل هذا الحزب الجديد يعكس الغضب الشعبي المتزايد من فساد الحياة السياسية في مصر، حيث يرون فيه محاولة مكررة لإحياء الحزب الوطني المنحل الذي أسقطته ثورة 25 يناير.
الحزب الوطني كان قد تمكن من السيطرة على كل مفاصل الدولة وتغلغل في كل المؤسسات حتى انفجر الشارع المصري في وجهه، وهذه المحاولة الجديدة لإعادة تدوير نفس الوجوه والسياسات لا تختلف عن ما كان يفعله الحزب الوطني خلال عقود طويلة من القمع والفساد.
الشارع السياسي المصري يعاني اليوم من غياب شبه كامل للأحزاب السياسية الحقيقية التي تعمل لصالح الشعب، حيث لا نجد معظم الأحزاب في الميدان، فلا أنشطة ولا برامج ولا حملات توعية سياسية تعبر عن معاناة الناس.
بدلاً من ذلك، يُعاد تشكيل أحزاب جديدة بأسماء براقة ولكن بمضامين فاسدة تعتمد على نفس الأيديولوجيات والسياسات التي أوصلت البلاد إلى حالة من الجمود السياسي.
هذا الحزب الجديد “اتحاد مصر الوطني” لا يمثل الشعب المصري ولا طموحاته، بل يمثل مصالح فئة قليلة من رجال الأعمال والسياسيين الفاسدين الذين يسعون إلى استغلال مواقعهم لتحقيق مكاسب شخصية.
إن إعادة تدوير نفس الوجوه القديمة التي شاركت في إدارة البلاد خلال فترة من الفساد والمحسوبية والرشاوي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان الشعبي والإحباط من العملية السياسية.
ويمكن القول إن تشكيل هذا الحزب هو استمرار لنفس السياسات التي أطاحت بها ثورة يناير، ولن يكون له أي دور في تحسين أوضاع البلاد أو تحقيق العدالة الاجتماعية. الشعب المصري بحاجة إلى أحزاب سياسية حقيقية تعمل لصالحه وليس لصالح قلة من الفاسدين.