وزارة العدل الأمريكية تكشف رشاوى لمسؤولين مصريين تجاوزت 206 مليون دولار في 3 قطاعات
في فضيحة جديدة تهز مصر وتكشف عن مدى تفشي الفساد في القطاع الحكومي، أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن تلقي مسؤولين مصريين في عدة قطاعات حكومية، منها الكيماويات والاتصالات والكهرباء، رشاوى على مدى سنوات.
الفساد المستشري في هذه القطاعات ليس بالجديد، إلا أن هذه القضية تأتي لتبرز من جديد عجز الحكومة المصرية وتقاعس وزارتي الكهرباء والاتصالات، إضافة إلى دور الشركة القابضة لكهرباء مصر في هذا الفساد.
القضية التي تكشف عنها وزارة العدل الأمريكية تورطت فيها شركات أمريكية وسويدية في تعاملات مشبوهة مع مسؤولين مصريين.
بدايةً، تُظهر الوثائق التي تم الكشف عنها تورط شركة “كورساكول” الأمريكية في دفع رشاوى لمسؤولين في شركة “النصر للكوك والكيماويات” المصرية المملوكة للدولة.
اعترفت الشركة بدفع مبلغ قدره 4.8 مليون دولار كرشاوى عبر وسيط مصري كان يعلم موظفو الشركة أنه سيستخدم هذا المبلغ لرشوة مسؤولين في الحكومة المصرية.
هذه الرشاوى مكنت “كورسا” من الحصول على عقود لتوريد الفحم لشركة “النصر” بقيمة 143 مليون دولار، بينما حققت الشركة الأمريكية أرباحًا بلغت 32.7 مليون دولار من هذه الصفقات المشبوهة. هذا يُعد دليلًا واضحًا على فساد قطاع الكيماويات في مصر وتورط المسؤولين فيه بشكل لا يمكن إنكاره.
المدير التنفيذي السابق لشركة “كورساكول”، تشارلز هانتر هوبسون، تم القبض عليه في نهاية عام 2023 ووجهت إليه تهم تشمل خرق قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، غسل الأموال، والاحتيال عبر الإنترنت.
اعترافات الشركة وتسليمها وثائق تفضح تورط المسؤولين المصريين تُظهر أن هذه القضية لم تكن سوى غيض من فيض الفساد المتفشي في مصر، خاصة في القطاعات الحكومية التي تتحكم فيها شركات مثل “النصر للكوك”.
وبالانتقال إلى قطاع الاتصالات، فقد كشفت وزارة العدل الأمريكية أيضًا عن تورط شركة “إريكسون مصر” في فضيحة فساد مشابهة. اعترفت الشركة بدفع رشاوى لمسؤولين مصريين للفوز بعقود ضخمة مع وزارة الاتصالات المصرية.
على مدى 16 عامًا، من 2000 إلى 2016، استخدمت “إريكسون” شركات طرف ثالث ومستشارين لدفع رشاوى لإدارة مدفوعات خارج الحسابات الرسمية في عدة دول، منها مصر.
هذه الفضيحة أثبتت أن الفساد لم يقتصر على قطاع الكيماويات، بل يمتد ليشمل قطاع الاتصالات، وهو ما يعزز الشعور بأن المؤسسات المصرية باتت مرتعًا للرشاوى والفساد على أعلى المستويات.
وأشارت وزارة العدل الأمريكية إلى أن شركة “إريكسون” ستدفع غرامة جنائية ضخمة تزيد عن 206 مليون دولار كجزء من تسوية القضية.
يأتي هذا بعد اعتراف الشركة بمخالفتها اتفاقية الملاحقة المؤجلة لعام 2019، مما يُظهر أن الحكومة المصرية ليست مجرد ضحية لهذه الرشاوى، بل شريك فاعل في التغطية عليها.
أما في قطاع الكهرباء، فقد كشفت قضية رشاوى شركة “ألستوم” الفرنسية وشركة “بجسكو” عن تورط عدد من القيادات والمستشارين في الشركة القابضة لكهرباء مصر في تلقي رشاوى مقابل إسناد مشاريع الطاقة.
هذه القضية، التي تعود إلى عام 2014، أظهرت أن الشركة الفرنسية “ألستوم” دفعت مبالغ مالية ضخمة للحصول على مناقصات حكومية بمصر، وهي فضيحة أخرى تعري فساد القطاع الكهربائي وتورط مسؤولين في الشركة القابضة لكهرباء مصر.
“ألستوم” اعترفت بمسؤوليتها ودفعت غرامة قدرها 772 مليون دولار لتسوية القضية، في حين تم سجن المدير التنفيذي لشركة “بجسكو” لمدة 42 شهرًا في الولايات المتحدة بعد اعترافه بتورط شركته في الرشاوى.
رغم هذه الفضائح والاعترافات، إلا أن الجانب المصري ظل صامتًا تمامًا ولم يتخذ أي خطوات جدية لمحاسبة المسؤولين المتورطين.
لقد أظهرت التحقيقات الأمريكية أن الفساد لا يقتصر فقط على الأفراد، بل يمتد ليشمل هيئات ومؤسسات حكومية بأكملها، بما في ذلك الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء، مما يعكس حالة من التواطؤ والإهمال على أعلى المستويات الحكومية.
تأتي هذه الفضائح في وقت تمر فيه مصر بأزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخها الحديث. معدلات التضخم المرتفعة، الارتفاع المستمر في أسعار السلع الأساسية، وشح الدولار دفع بالحكومة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية، بما في ذلك بيع أصول الدولة لسداد الديون.
في هذا السياق، يظهر حجم الفساد المستشري كسبب رئيسي في انهيار الاقتصاد المصري وتردي الأوضاع المعيشية للمواطنين. الفساد الذي يمارسه المسؤولون في قطاعات حيوية مثل الكهرباء والاتصالات والكيماويات ليس مجرد تعدٍ على المال العام، بل هو خيانة للشعب المصري الذي يعاني من ضغوط اقتصادية هائلة.
رغم أن التحقيقات الأمريكية كشفت المستور، إلا أن الحكومة المصرية لم تحرك ساكنًا حتى الآن، وهو ما أثار موجة غضب على شبكات التواصل الاجتماعي في مصر.
العديد من النشطاء عبروا عن استيائهم من استمرار الحكومة في تجاهل هذه القضايا، معتبرين أن فساد المسؤولين المصريين لم يعد يُخفى على أحد، بل وصل صداه إلى المجتمع الدولي.
الحكومة المصرية، ووزارة الكهرباء، والشركة القابضة لكهرباء مصر، ووزارة الاتصالات تتحمل جميعها المسؤولية الكاملة عن هذا الفساد المستشري الذي كشف عنه تحقيق وزارة العدل الأمريكية.