كوريا الجنوبية تواجه أزمة سياسية كبرى: إضراب عام مفتوح يطالب باستقالة الرئيس يون
تشهد كوريا الجنوبية توتراً سياسياً كبيراً في ظل الأزمة المتفاقمة بين الحكومة والعمال، حيث دعا الاتحاد الوطني لنقابات العمال الديمقراطيين، أكبر تجمع عمالي في البلاد، إلى إضراب عام مفتوح حتى استقالة الرئيس يون سوك يول.
هذا التصعيد يأتي بعد أن تراجع الرئيس عن قراره بفرض الأحكام العرفية، والذي أثار ردود فعل شعبية وبرلمانية واسعة.
يأتي هذا الإضراب في ظل الأوضاع المتوترة التي شهدتها البلاد مؤخراً. أعلنت وسائل إعلام محلية أن الإضراب سيبدأ صباحاً في ساحة غوانغهوامون بالعاصمة سيول.
ورغم أن الرئيس تراجع عن فرض الأحكام العرفية وأعلن نيته رفعها، إلا أن هذه التحركات لم تُنهِ الأزمة، بل زادت من تفاقم الغضب الشعبي والاحتجاجات التي تقودها النقابات العمالية.
الرئيس يون كان قد فرض الأحكام العرفية بحجة حماية البلاد من قوى معادية، ولكنه واجه انتقادات شديدة من المعارضة والبرلمان، حيث اعتبر كثيرون أن هذه الخطوة انتهاك صريح للدستور.
في ضوء هذه الانتقادات، اضطر يون للتراجع عن قراره وأمر بسحب القوات العسكرية التي كانت قد نُشرت لتطبيق الأحكام العرفية. كما أعلن في اجتماع حكومي عن إنهاء الأحكام العرفية بشكل رسمي.
وفي تطور لافت، عُقدت الجمعية الوطنية، رغم تعطيل البرلمان بموجب الأحكام العرفية، جلسة طارئة حيث صوت البرلمان على إلغاء هذه الأحكام. وأكد رئيس البرلمان أن 190 نائباً من أصل 300 حضروا الجلسة وصوتوا بالإجماع لصالح إلغاء الأحكام العرفية، مما يجعلها باطلة بشكل رسمي.
وقد أضافت هذه الخطوة بعداً آخر للصراع السياسي في البلاد، حيث انحازت السلطة التشريعية إلى جانب المعارضة والنقابات العمالية.
هذا الموقف دفع حزب “سلطة الشعب” الحاكم في كوريا الجنوبية إلى الدعوة لإلغاء الأحكام العرفية في أقرب وقت، ما يظهر ضغوطاً سياسية قوية على الرئيس يون من جميع الجهات، بما في ذلك حلفاؤه السياسيون.
في غضون ذلك، أعلن عدد من كبار مساعدي الرئيس استقالتهم الجماعية بعد فشل محاولته فرض الأحكام العرفية. وقد جاء ذلك كمؤشر إضافي على تفاقم الأزمة السياسية داخل الحكومة نفسها، مما يضعف موقف الرئيس أمام المعارضة والشعب.
الجدير بالذكر أن الاتحاد الوطني لنقابات العمال الديمقراطيين الذي يضم أكثر من مليون عضو، شدد على أن قرار الرئيس بفرض الأحكام العرفية كان خطوة غير ديمقراطية ومعادية للشعب.
في بيانهم الرسمي، أشاروا إلى أن هذا القرار كان بداية النهاية لحكم يون، وأنهم لن يتراجعوا عن مطالبهم حتى استقالته. هذا الإضراب العام المفتوح يمثل ضغطاً إضافياً على الحكومة، حيث يُعد الاتحاد واحداً من أقوى الحركات العمالية في البلاد.
على الصعيد السياسي، استمر حزب المعارضة الليبرالي، الحزب الديمقراطي، في تصعيد الضغط على الرئيس. أكد الحزب في بيان رسمي أن إعلان يون للأحكام العرفية كان انتهاكاً دستورياً صريحاً،
مشيراً إلى أنه لم يكن هناك أي سبب قانوني يدعوه لاتخاذ هذه الخطوة. الحزب الديمقراطي الذي يملك الأغلبية في البرلمان أوضح أن ما قام به الرئيس هو “تمرد خطير” يوفر الأساس القانوني لعزله.
من جانبه، تحدث زعيم حزب “قوة الشعب”، الحزب الحاكم، في بث تلفزيوني مباشر، مشدداً على ضرورة أن يقدم الرئيس شرحاً واضحاً لهذا الوضع المأساوي.
وأضاف أن جميع المسؤولين الذين كانوا خلف هذه القرارات يجب أن يخضعوا للمحاسبة الصارمة، مما يعكس حجم الانقسام الداخلي حتى داخل الحزب الحاكم نفسه.
وبعد التصويت في الجمعية الوطنية، أعلن الرئيس يون بشكل رسمي رفع الأحكام العرفية. هذا الإعلان جاء بعد ساعات قليلة من موافقة مجلس الوزراء على اقتراح لرفعها،
في خطوة هدفت إلى إعادة الأوضاع في البلاد إلى طبيعتها. وأكدت القوات المسلحة أنها سحبت وحداتها التي تم نشرها لتنفيذ الأحكام العرفية، مما أعاد بعض الهدوء للشارع الكوري.
الرئيس يون حاول تبرير موقفه قائلاً إنه اضطر لإعلان الأحكام العرفية لحماية البلاد من قوى معادية تسعى لإفشال الحكومة وتعطيل وظائف الدولة الأساسية.
لكنه أشار إلى أنه استجاب لطلب البرلمان بسحب القوات، وأنه يعيد الآن النظر في الوضع بناءً على الضغوط السياسية والبرلمانية. وفي ذات الوقت، دعا البرلمان لوقف ما وصفه بالأنشطة “الهدامة” التي تسعى لتعطيل الحكومة وإسقاطه من منصبه.
تظل كوريا الجنوبية الآن في مواجهة معقدة بين الحكومة، المعارضة، والعمال. الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد الوطني لنقابات العمال الديمقراطيين يشكل تحدياً كبيراً للحكومة،
حيث يهدد بتعطيل الاقتصاد والنظام العام إذا استمر لفترة طويلة. كما أن الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد تنذر بمزيد من التصعيد إذا لم تجد الحكومة والمعارضة حلاً سريعاً للنزاع القائم.
تأتي هذه الأحداث في وقت حساس بالنسبة لكوريا الجنوبية التي تواجه تحديات اقتصادية داخلية وضغوطاً دولية. وقد يؤدي استمرار هذه الأزمة السياسية إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتعميق الانقسام داخل المجتمع الكوري، مما يجعل الحل السريع ضرورة قصوى للحفاظ على استقرار البلاد.