يشير واقع الحال في قطاع الكهرباء في مصر إلى فضائح مالية وإدارية من العيار الثقيل تشهدها البلاد منذ سنوات عديدة ولا يبدو أن هناك نية حقيقية لمحاسبة المتورطين.
فالمواطن المصري هو من يدفع الثمن، ولا يزال يعاني بسبب تراكم المشكلات والأزمات التي كانت ولا تزال تسهم في تدهور هذا القطاع الحيوي.
في تقرير حديث، تم الكشف عن فساد ممنهج تشهده الشركة القابضة لكهرباء مصر، حيث تم توجيه العديد من أصابع الاتهام إلى قيادات القطاع الذين، بفضل تواطؤهم وفسادهم، تمكنوا من إبرام عقود مشبوهة مع شركات أجنبية وداخلية، مما أدى إلى تدمير بنية هذا القطاع الحيوي.
فضائح شركة الكهرباء القابضة
أكبر الفضائح بدأت مع العقود التي أبرمتها الشركة القابضة مع الشركات الأجنبية، والتي كان أبرزها عقد مع شركة “سيمنز” الألمانية في سبتمبر 2018.
تم الاتفاق مع هذه الشركة لصيانة وتشغيل ثلاث محطات كهرباء حيوية في العاصمة الإدارية الجديدة والبرلس وبني سويف، لمدة 8 سنوات بقيمة 2.8 مليار يورو، وهو مبلغ ضخم كان من الممكن أن يُستغل في تطوير وتحسين شبكة الكهرباء في مصر.
ورغم هذه الأموال الطائلة، فإن المحطات الثلاثة تواجه مشاكل مستمرة في التشغيل ولا توجد أي معالجات فعّالة من قبل الوزارة أو الحكومة.
أما عن مستحقات الشركات الأجنبية، فقد توقفت الشركة القابضة عن سداد مستحقاتها لشركات الطاقة الأجنبية بدءًا من منتصف عام 2023 حتى مارس 2024، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول سوء الإدارة وعدم الجدية في معالجة هذه الأمور.
وفي الوقت الذي تتسارع فيه أزمة الكهرباء وتفاقم معاناة المواطنين، تجد أن الحكومة المصرية تواصل التراخي في معالجة هذه الملفات، بل تزداد الأمور سوءًا بإصرار المسؤولين على الاستمرار في عقود فاسدة تهدر المزيد من المال العام.
العقود المشبوهة والتلاعب في أموال الدولة
لم تقتصر الفضيحة على شركة سيمنز فقط، بل شملت أيضًا شركات عملاقة أخرى مثل “جنرال إلكتريك” الأمريكية و”شنايدر إليكتريك” الفرنسية، التي قامت بتوقيع عقود مشبوهة مع الشركة القابضة.
كما تم اكتشاف العديد من الأفعال المشبوهة التي تمت من خلال شبكة معقدة من التفاهمات التي أبرمها جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، مع هذه الشركات.
فدسوقي الذي تولى رئاسة الشركة منذ عام 2012، كان مسؤولًا عن إبرام معظم العقود مع هذه الشركات، التي على الرغم من حصولها على ملايين الدولارات لم تُحقق تقدمًا حقيقيًا في تحسين الخدمة الكهربائية في مصر.
من ضمن العقود التي أثارت الجدل، عقد مع شركة “جنرال إلكتريك” لإعادة تأهيل محطات كهرباء مصرية، وهي الشركات التي كان لها دور كبير في تدمير بنية المحطات بسبب الفساد وسوء الصيانة.
لكن هذه الشركات واصلت تصدير عقود جديدة إلى قطاع الكهرباء المصري بمبالغ ضخمة دون أن يتم تقييم النتائج الفعلية لهذه المشاريع.
الفساد في شركات توزيع الكهرباء
لم يقتصر الفساد على قطاع الإنتاج فقط، بل امتد أيضًا إلى شركات توزيع الكهرباء التسع، التي تسببت في فضائح عديدة لا تعد ولا تحصى. ففي قطاع “شركة كهرباء توزيع القناة”، تم إهدار نحو 17 مليون جنيه شهريًا بسبب التعاقد مع إحدى الشركات الخاصة لتوفير عمالة غير ضرورية.
وهذا يشير إلى فساد كبير على مستوى إدارة الشركات التي يتستر عليها مسؤولو الكهرباء دون رادع. وفي واقعة أخرى، قامت شركة “ظل الجنوب” بتوجيه مطالبات مالية ضخمة، وصلت إلى نحو 17 مليون جنيه شهريًا، ولم يتم حتى الآن تقديم أي تحقيقات جادة حول هذه المبالغ.
أما عن الشهادات المتعلقة بتورط رئيس قطاع كهرباء القناة، سامي أبو وردة، في هذه الفضائح، فقد تبيّن أنه قد سبق له التعاقد مع شركات مشابهة في عدة أماكن أخرى، ما يثير تساؤلات حول وجود تلاعب أو تضارب مصالح واضح. ومع ذلك، فقد تمت ترقيته بشكل متكرر، دون أن تتم محاسبته على هذا الفساد.
زيادة الأسعار وعبث الإدارة
في الوقت الذي يتفاقم فيه الفساد في قطاع الكهرباء، تتزايد معاناة المواطنين في ظل الزيادات المستمرة في أسعار الكهرباء. ففي سبتمبر الماضي، أعلن عن زيادة كبيرة في تعريفة الكهرباء للمواطنين، وصلت إلى 40% في بعض الفئات.
فالشريحة الأولى، التي تستهلك أقل من 50 كيلوواط، ارتفعت إلى 68 قرشًا، بزيادة قدرها 17.2%، بينما شريحة الـ 100 كيلوواط ارتفعت إلى 78 قرشًا بزيادة 15%. وكان من بين الشرائح الأكثر تأثراً الشريحة التي تستهلك أكثر من 650 كيلوواط، التي شهدت زيادة بنسبة 40% لتصل إلى 2.1 جنيه لكل كيلوواط.
وعلاوة على ذلك، تم فرض زيادة كبيرة على رسوم النظافة، التي وصلت في بعض المناطق الشعبية إلى 12 جنيهًا، وفي المناطق الأكثر رفاهية إلى 50 جنيهًا. وهذه الزيادات تأتي في وقت يعاني فيه المواطنون من تدهور الخدمة الكهربائية وضعف شبكة الكهرباء.
الزيادة المفاجئة في الأسعار تثير الغضب
لم يقتصر الفساد على الأسعار وحسب، بل شمل أيضًا تلاعبًا في نظام الدفع المسبق. ففي البداية، تم إيقاف شحن بطاقات الدفع مسبقًا، مما أجبر المواطنين على التوجه إلى الإدارات التجارية في جميع أنحاء البلاد لتبديل بطاقاتهم، ليكتشفوا في النهاية أنه تم تحميلهم بقيم استهلاك كهرباء بأثر رجعي، وهو ما يثبت أن الشركات الخاصة تتلاعب بالمواطنين وتستغل ضعف الرقابة.
محاسبة الفاسدين ضرورة حتمية
إن الوضع في قطاع الكهرباء في مصر وصل إلى مرحلة متقدمة من الفساد، ولا يمكن السكوت عليه بعد الآن. فهذه الفضائح لا تتوقف عند التلاعب بالأموال العامة فقط، بل تمتد لتشمل التدهور في الخدمة، وتدمير البنية التحتية، وزيادة معاناة المواطنين. وكل ذلك يتم في ظل غياب تام للمحاسبة والمراقبة.
لقد حان الوقت للقيام بإصلاح حقيقي في هذا القطاع، وضرورة محاسبة جميع المسؤولين الفاسدين الذين أهدروا الأموال العامة وأضروا بمصالح المواطنين.
وعلى المسؤولين في وزارة الكهرباء والحكومة أن يتحملوا مسؤولياتهم ويعملوا على إصلاح هذا القطاع بشكل حقيقي، بعيدًا عن الفساد والمحسوبيات.