تقاريرحقوق وحريات

العفو الدولية .. قانون اللجوء الجديد في مصر خطر داهم على حقوق اللاجئين

في خضم موجة انتقادات حادة تصاعدت ضد قانون اللجوء الجديد في مصر، وجهت منظمة العفو الدولية نداءً صارخًا إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، مطالبة بعدم التصديق على هذا القانون، واصفة إياه بأنه يشكل تهديدًا جسيمًا لحقوق اللاجئين.

ودعت المنظمة إلى ضرورة إعادة القانون إلى البرلمان لإجراء مراجعات جوهرية وشاملة بالتعاون مع مجتمع اللاجئين والمنظمات الحقوقية المعنية، بهدف تعديل بنوده كي تتوافق مع التزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان.

منذ موافقة البرلمان المصري على مشروع هذا القانون في 19 نوفمبر الماضي، اشتعلت حالة من الجدل العميق حول آثاره الكارثية المتوقعة.

المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وفي مقدمتها منظمة العفو الدولية، ترى أن هذا التشريع يضفي طابعًا مؤسسيًا على قمع اللاجئين وتقليص حقوقهم الأساسية، محذرة من أن تطبيقه سيؤدي إلى مزيد من التدهور في أوضاع اللاجئين الذين يواجهون بالفعل ظروفًا صعبة داخل مصر.

الخطير في هذا القانون هو أنه يضع قيودًا صارمة على حق الأفراد في طلب اللجوء، في ظل افتقاره إلى أي ضمانات قانونية لحماية هؤلاء الأفراد من الانتهاكات.

وينقل القانون مسؤولية تسجيل طالبي اللجوء وتحديد وضعهم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى السلطات المصرية، مما يثير تساؤلات جدية حول شفافية هذه الإجراءات ونزاهتها، خاصة في ظل غياب رقابة دولية.

من أبرز النقاط التي أثارت الغضب في القانون الجديد هو غياب نص صريح يحظر الإعادة القسرية، وهي خطوة تتعارض تمامًا مع مبادئ القانون الدولي.

المنظمة الحقوقية سلطت الضوء على التقارير التي تفيد بتنفيذ الشرطة المصرية وقوات حرس الحدود المدعومة من الاتحاد الأوروبي عمليات اعتقال وترحيل غير قانونية بحق اللاجئين السودانيين الذين عبروا الحدود إلى مصر فرارًا من النزاع والعنف في بلادهم. هذا التجاهل المتعمد لأهم المبادئ الإنسانية يزيد من تعقيد الوضع القانوني والأمني لهؤلاء الأفراد الباحثين عن الحماية.

في هذا السياق، طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومنصة اللاجئين في مصر، في نوفمبر الماضي، بضرورة إرجاء مناقشة مشروع القانون لإعادة صياغته بما يتماشى مع المتطلبات الإنسانية والقانونية التي تفرضها طبيعة اللجوء.

شددت هذه المنظمات على أهمية إشراك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وكافة المنظمات الشريكة ذات الخبرة في مجال اللجوء في صياغة هذا التشريع، لكن البرلمان تجاهل هذه الدعوات ومضى قدمًا في تمرير القانون دون إجراء أي تعديلات.

وأوضحت منظمة العفو الدولية في بيانها أن القانون يتضمن أحكامًا تمييزية من شأنها تقييد حرية تنقل اللاجئين وطالبي اللجوء داخل البلاد، وهو ما يخالف تمامًا حقوق الإنسان الأساسية.

إلى جانب ذلك، يفشل القانون في توفير الحماية اللازمة لحقوق اللاجئين في مجالات التعليم والسكن والضمان الاجتماعي، ما يهدد بتفاقم معاناتهم، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تشهدها مصر.

الأكثر إثارة للقلق هو أن القانون يعتمد على معايير غامضة وفضفاضة بشكل ملحوظ لاستبعاد الأفراد من حق الحصول على صفة اللاجئ. هذه المعايير الغامضة تفتح الباب أمام سوء استخدام القانون بشكل واسع، وقد تُستغل لتبرير رفض منح اللجوء لأشخاص يستحقون الحماية وفقًا للمعايير الدولية المتعارف عليها.

القلق الذي يثيره هذا القانون لا يقتصر فقط على الجانب النظري، بل يتعداه إلى الواقع العملي، حيث يخشى الكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان من أن يؤدي تطبيقه إلى تفاقم الحملات القمعية ضد الفئات الضعيفة.

وقد أكدت العفو الدولية أن السلطات المصرية تستمر في تنفيذ اعتقالات تعسفية وترحيلات غير قانونية ضد اللاجئين، ما يعني أن القانون الجديد قد يمنح غطاءً قانونيًا لهذه الممارسات التي تفتقر إلى أي مشروعية قانونية أو أخلاقية.

من هنا، جاء النداء العاجل الذي وجهته العفو الدولية إلى الرئيس السيسي، داعية إلى عدم التصديق على هذا القانون الذي يتعارض مع التزامات مصر الدولية في حماية حقوق اللاجئين.

كما شددت المنظمة على أن مصر، باعتبارها دولة موقعة على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية اللاجئين، ملزمة بتوفير الحماية القانونية الكاملة لهؤلاء الأشخاص وضمان عدم تعرضهم للاضطهاد أو الترحيل القسري.

بينما تتزايد الضغوط الدولية والمحلية على السلطات المصرية لإعادة النظر في هذا القانون، يظل المجتمع الحقوقي يترقب رد فعل الرئيس السيسي وما إذا كان سيتخذ خطوات ملموسة لحماية حقوق اللاجئين في مصر.

وفي ظل هذه الأزمة المتصاعدة، يُعتبر التدخل الرئاسي الخيار الأخير لتفادي كارثة إنسانية قد تطال آلاف اللاجئين الذين يبحثون عن ملاذ آمن.

فإن القانون الجديد في صورته الحالية يشكل انتكاسة خطيرة لحقوق اللاجئين في مصر، ويضع الدولة في مواجهة مع المجتمع الدولي، خاصة في ظل وجود التزامات قانونية دولية واضحة تحتم على مصر احترام حقوق اللاجئين ومنحهم الحماية اللازمة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى