اشتباكات حادة بين الولايات المتحدة وروسيا في مجلس الأمن بسبب التصعيد في سوريا
شهد مجلس الأمن الدولي مساء الثلاثاء اجتماعًا عاصفًا في مدينة نيويورك حيث تبادلت الولايات المتحدة وروسيا الاتهامات بسبب تصاعد القتال المفاجئ في سوريا والذي يهدد بإشعال المزيد من الفوضى في المنطقة المضطربة واحتدم الخلاف بين الطرفين وسط تصاعد العنف في شمال غرب سوريا وتبادل الطرفان الاتهامات حول من يتحمل مسؤولية التصعيد الأخير إذ وجهت كل منهما اتهامات للأخرى بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في سوريا
الولايات المتحدة حملت روسيا والحكومة السورية مسؤولية التصعيد العسكري الأخير في حين أبدت روسيا معارضة قوية للتوجهات الأمريكية معتبرة أن دعم المعارضة المسلحة يمثل خطرًا على الأمن والاستقرار في المنطقة وعبرت عن رفضها لدعوة واشنطن مشاركة مدير “الخوذ البيضاء” في الجلسة وهو ما زاد من حدة التوتر بين الطرفين الخوذ البيضاء هي منظمة تطوعية تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة وتتمحور مهمتها حول تقديم المساعدات الإنسانية والدفاع المدني في أوقات الحرب وخاصة في مناطق الصراع السوري هذا الحضور أثار حفيظة موسكو التي تعتبر الخوذ البيضاء جزءًا من الفصائل المسلحة المدعومة من الغرب والتي تعمل على تقويض الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد
الهجوم الأخير الذي نفذته المعارضة السورية المسلحة بدأ يوم الأربعاء الماضي تحت اسم “ردع العدوان” وشكل هذا الهجوم تحركًا عسكريًا كبيرًا هو الأوسع منذ سنوات حيث سيطرت المعارضة خلاله على مناطق واسعة من شمال غربي سوريا بما في ذلك معظم مدينة حلب ومطارها الدولي كما تمكنت الفصائل المسلحة من إحكام السيطرة على محافظة إدلب بالكامل إضافة إلى عشرات القرى والبلدات في ريف حماة ووفقًا للتقارير الميدانية فإن قوات المعارضة باتت على مشارف مدينة حماة مما يضع الحكومة السورية في موقف دفاعي صعب
خلال الاجتماع طالب نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة روبرت وود بخفض التصعيد في القتال داعيًا إلى حماية المدنيين وأعرب عن قلقه من أن الهجوم الأخير في سوريا تقوده هيئة تحرير الشام التي تصنفها الولايات المتحدة والأمم المتحدة كمنظمة إرهابية هذا التصنيف لم يمنع واشنطن من تحميل نظام الأسد وروسيا مسؤولية التصعيد والضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء الهجمات المتكررة على المدارس والمستشفيات في المناطق التي تشهد القتال
ووصف وود الهجمات على المرافق المدنية بأنها غير مبررة حتى مع الاعتراف بأن هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية وأكد أن تصنيف هذه الجماعة كمنظمة إرهابية لا يبرر ارتكاب المزيد من الفظائع ضد المدنيين وأشار إلى أن سياسة واشنطن لا تزال ثابتة في ضرورة وضع حد للعنف والتوصل إلى حل سياسي شامل للصراع في سوريا يشمل جميع الأطراف الفاعلة
في المقابل رد ممثل روسيا في مجلس الأمن بقوة على تصريحات وود واتهم الولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون السورية ودعم الفصائل المسلحة التي وصفها بالإرهابية وأكد أن العمليات العسكرية الأخيرة التي تقودها القوات السورية وبدعم من روسيا تهدف إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطرًا على الأمن والاستقرار في المنطقة وأن هذه العمليات تأتي في إطار الدفاع المشروع عن النفس
كما اتهمت روسيا الغرب بتسييس الأزمة السورية واستغلالها لتحقيق أهداف جيوسياسية بعيدة عن مصلحة الشعب السوري وشدد على أن روسيا ملتزمة بحماية سيادة سوريا ووحدة أراضيها وأنه لا يمكن التوصل إلى حل للصراع ما لم يتوقف الدعم الأجنبي للجماعات المسلحة التي تقوض جهود السلام والاستقرار
الخلاف بين واشنطن وموسكو حول الملف السوري ليس بجديد إذ يمثل جزءًا من التوترات الأوسع بين القوتين العظميين على الساحة الدولية خاصة في مناطق النزاع مثل سوريا وأوكرانيا فالولايات المتحدة تدعم فصائل المعارضة المسلحة في سوريا منذ سنوات طويلة في إطار استراتيجيتها للضغط على النظام السوري في حين تقف روسيا بقوة إلى جانب الأسد وتقدم له الدعم العسكري واللوجستي في محاولة للحفاظ على نفوذها في المنطقة
المواجهة الأخيرة في مجلس الأمن حول سوريا تأتي في وقت حساس حيث يتصاعد القلق الدولي بشأن التدهور السريع للأوضاع الإنسانية في شمال سوريا وتشير التقارير إلى أن القتال تسبب في نزوح عشرات الآلاف من المدنيين عن منازلهم بحثًا عن الأمان في مناطق أخرى كما أن استمرار المعارك يهدد بزيادة معدلات الفقر والجوع وانتشار الأمراض في تلك المناطق المحاصرة
رغم التصعيد في الخطاب بين روسيا والولايات المتحدة خلال اجتماع مجلس الأمن فإن المؤشرات على الأرض تشير إلى أن المعارك لن تهدأ في المستقبل القريب إذ تسعى كل من المعارضة المدعومة من الغرب والقوات السورية المدعومة من روسيا إلى تحقيق مكاسب عسكرية تعزز من موقفها التفاوضي في أي مفاوضات مستقبلية حول مستقبل سوريا
وفي ظل هذا المشهد المعقد يبدو أن الصراع في سوريا مرشح لمزيد من التصعيد ما لم يحدث تدخل دولي جاد لوقف القتال وإعادة الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات