يواجه قطاع الكهرباء في مصر أزمة خطيرة بسبب الفساد والإهمال والتقاعس من قبل الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء والحكومة بشكل عام.
ما كشف عنه تقرير وزارة الصحة بشأن مستشفى الكهرباء بألماظة يعد مثالًا صادمًا على هذا الفساد الذي يهدد بتدمير البنية التحتية للقطاع، حيث أشارت الوزارة إلى مخالفات صارخة وسوء إدارة خطير داخل المستشفى، وهي منشأة طبية أنشئت لخدمة العاملين في الكهرباء.
في الوقت الذي تروج فيه الشركة القابضة لكهرباء مصر، تحت إدارة المهندس جابر دسوقي، لإنجازاتها وادعائها تحقيق أرباح تصل إلى 400 مليون جنيه خلال العام المالي الماضي، يتجاهل المسؤولون الوضع الكارثي داخل المستشفى التي من المفترض أن توفر رعاية صحية متميزة للعاملين بالقطاع.
بدلًا من أن تساهم الأرباح في تطوير المستشفى أو تحسين خدماتها، يتبين أن المستشفى تعاني من إهمال فاضح وانهيار في الخدمات المقدمة.
من أبرز مظاهر هذا الإهمال هو تأخر الشركة في دفع مستحقات المراكز الطبية المتعاقدة معها، مما أدى إلى توقف بعض المراكز عن تقديم الخدمات للعاملين.
وفي ظل هذا الواقع المأساوي، استقال رئيس شركة الخدمات الطبية، الدكتور محمد إسماعيل، بدعوى تدهور حالته الصحية، لكن سرعان ما تم رفض استقالته من قبل وزير الكهرباء الدكتور محمود عصمت، الذي يبدو أنه يفضل دعم الفاسدين بدلًا من محاسبتهم على تجاوزاتهم الجسيمة.
بدلاً من أن يتخذ الوزير خطوات جادة لمعالجة المخالفات التي رصدتها وزارة الصحة، اتجه إلى تهديد الموظفين والأطباء العاملين بالمستشفى بالتحقيق والفصل، في حال ثبوت تسريبهم لتقرير الوزارة إلى الصحفيين. مثل هذه التصرفات تعكس غياب أي نية للإصلاح، وتعطي انطباعًا واضحًا بأن هناك حماية ممنهجة للفاسدين في قطاع الكهرباء.
كشف تقرير وزارة الصحة عن مخالفات خطيرة في مستشفى الكهرباء بألماظة، تتعلق بانتهاك القوانين المنظمة للرعاية الصحية مثل قانون رقم 51 لسنة 1981 والمعدل بالقانون رقم 153 لسنة 2004.
بعض المخالفات تشمل عدم استيفاء المستشفى للترخيصات اللازمة، وجود أقسام مثل معمل الباثولوجي وبنك الدم ووحدة الغسيل الكلوي تعمل بدون ترخيص، إضافة إلى انتهاء صلاحية ترخيص وحدة الأشعة والقسطرة.
ورصد التقرير أيضًا الكثير من العيوب الفنية والإدارية داخل المستشفى، منها الأرضيات المتهالكة، التخزين السيئ للأجهزة، ووجود صدأ في التجهيزات الطبية.
في قسم الغسيل الكلوي، كانت الأحواض غير نظيفة والكراسي متهالكة، والحوائط والأرضيات متآكلة. حتى في غرفة العمليات، التي من المفترض أن تكون من أكثر الأماكن حساسية، كانت التجهيزات غير مطابقة لاشتراطات الترخيص ومكافحة العدوى، ووجدت مواد طبية مخزنة بجانب مصادر المياه، ما يعرض حياة المرضى للخطر.
بالإضافة إلى هذه الفوضى في المرافق، تم الكشف عن تخزين عينات الباثولوجي بشكل غير ملائم، ووجود أجهزة متهالكة وكراسي جلد ممزقة في المعمل، وهو ما يعد انتهاكًا صارخًا لشروط السلامة الصحية.
على الرغم من كل هذه التجاوزات، لا تزال الشركة القابضة لكهرباء مصر تتجاهل هذه المشاكل وتواصل الترويج لإنجازات وهمية.
بينما يعاني العاملون في قطاع الكهرباء من تدهور خدمات الرعاية الصحية، ويدفعون اشتراكات شهرية دون الحصول على رعاية تليق بهم.
كما أثار العاملون في الكهرباء غضبًا كبيرًا بعد بيع حضانات الأطفال في المستشفى لتجار الخردة بحجة أنها متهالكة، رغم أن المستشفى لا تزال بحاجة إليها.
هذه الفضيحة أدت إلى موجة استياء واسعة بين العاملين الذين طالبوا بتشكيل لجنة معاينة لفحص المعدات المتبقية في المخازن قبل بيعها.
في ضوء هذا الواقع، تقدم عدد من نواب البرلمان بطلبات إحاطة للشركة القابضة بسبب تدهور الخدمات الطبية وفضائح الفساد المالي.
إحدى الوقائع الصادمة التي تم تسليط الضوء عليها كانت رفض شركة الخدمات الطبية دفع رسوم ثلاجة الموتى لأحد العاملين، ما ترك الجثة خارج الثلاجة لساعات طويلة.
كما تقدم العديد من العاملين بشكاوى بسبب تدني مستوى الرعاية الصحية وفرض رسوم باهظة على الخدمات الطبية التي كان من المفترض أن تكون ضمن حقوقهم الأساسية، إذ يُخصم من رواتبهم شهريًا جزء للعلاج الطبي، بالإضافة إلى رسوم استمارات الكشف وصرف العلاج التي تصل إلى 150 جنيهًا لكل خدمة.
رغم إنشاء شركة الخدمات الطبية لتحسين مستوى الرعاية الصحية للعاملين، إلا أنها أصبحت عبئًا عليهم، مع شكاوى متزايدة من تأخير الإجراءات الطبية وتعقيدها، وإجبار العاملين على التعامل مع معامل تحاليل وصيدليات محددة تفتقر إلى الجودة.
الفساد الذي تعاني منه شركة الخدمات الطبية ليس سوى جزء من الفساد الأكبر الذي ينخر في جسد قطاع الكهرباء المصري. إدارة المستشفى ليست الوحيدة التي تعاني من الانهيار، بل يمتد الأمر إلى تعاملات الشركة مع الموردين والصيدليات، حيث تم ضبط حالات تلاعب وأهدار مال عام بمبالغ تجاوزت 12 مليون جنيه.
ورغم الفضائح المالية والإدارية المتراكمة، لا تزال الحكومة المصرية تتعامل مع الأزمة وكأنها قضية ثانوية، حيث يعتمد وزير الكهرباء على تقارير غير دقيقة من مسؤولين يحيطهم الشك والفساد. هذه السياسات ستؤدي في النهاية إلى انهيار شامل في قطاع الكهرباء إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وشفافة لمحاسبة الفاسدين.
الشركة القابضة لكهرباء مصر تتحمل مسؤولية هذا التدهور، ويتحمل المهندس جابر دسوقي رئيس الشركة القابضة جزءًا كبيرًا من هذه المسؤولية بسبب صمته المتواصل وتجاهله لشكاوى العاملين والفساد المستشري في قطاع الخدمات الطبية.
العاملون في قطاع الكهرباء يعانون يوميًا من تداعيات هذا الفساد. في الإسكندرية، يشكو العاملون من سوء الخدمة الطبية وعدم توفير الأدوية اللازمة، ويضطر البعض إلى السفر لمسافات طويلة للحصول على العلاج، بينما في محافظات أخرى مثل المنيا، يعاني العاملون من نقص الأدوية وإلغاء التعامل مع الصيدليات المتعاقدة.
مستقبل قطاع الكهرباء بأكمله مهدد إذا استمر هذا الإهمال والتقاعس الحكومي. إن فساد الإدارة وسوء التخطيط والتجاهل المتعمد لشكاوى العاملين سيؤدي إلى كارثة وشيكة في هذا القطاع الحيوي. السؤال الذي يطرحه الجميع الآن هو: إلى متى سيستمر هذا الفساد دون محاسبة؟ وهل ستستجيب الحكومة أخيرًا لمطالب العاملين وتنقذ القطاع من الانهيار الكامل؟
يبقى الوضع على ما هو عليه دون أي مؤشرات على تحرك جاد من قبل وزارة الكهرباء أو الشركة القابضة لمعالجة الكوارث التي تتكشف يومًا بعد يوم. ستبقى حالة الفساد وسوء الإدارة جرحًا ينزف في قطاع الكهرباء، مما يعرض مستقبل الكهرباء في مصر للخطر إذا لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة وفورية للتغيير.