فضيحة فساد قطاع الكهرباء في مصر: مليارات الدولارات تهدر بسبب التجاوزات المستمرة
في عالمنا المعاصر، يتزايد الحديث عن الفساد المالي والإداري، خاصة في البلدان التي تعاني من ضعف الرقابة المؤسسية وقصور في تطبيق القانون.
وبينما تواصل التقارير الدولية التحقيق في قضايا الفساد المتعددة، يظهر جليًا أن بعض المسؤولين في مصر لا يزالون في مواقعهم رغم الفضيحة المستمرة بسبب تجاوزاتهم المالية والإدارية.
فمن الواضح أن ثقافة المحاسبة والمساءلة قد تكون في غرفة العناية المركزة، ما يعزز استمرارية الفساد وتفاقم آثاره.
مظاهر الفساد: الفشل المستمر في محاسبة المسؤولين
في ظل هذه الأوضاع، يكشف العديد من التحقيقات الدولية والمستندات الموثقة التي تصدر كل عام، عن استمرار التجاوزات والفساد في قطاع الكهرباء المصري.
ورغم إدانة هذه التصرفات، لا نجد أي محاسبة للمسؤولين المتورطين فيها. بل إن هؤلاء المسؤولين، الذين هم في الواقع جزء من المشكلة، يتمتعون بمكافآت وحوافز وترقيات، بينما يواصلون مهامهم دون أي مساءلة.
وتظل الأوضاع كما هي، والفساد يتنقل من جيل إلى جيل، حيث يواصل المسؤولون استغلال سلطاتهم لتحقيق منافع خاصة على حساب الشعب المصري.
الفساد في مشروع “كوبيلوزيس” لمد الكهرباء إلى اليونان: خسائر فادحة لمصر
من أبرز الأمثلة على الفساد في قطاع الكهرباء في مصر، مشروع “كوبيلوزيس” لمد الكهرباء إلى اليونان عبر قبرص وكريت. هذا المشروع، الذي يشمل تمديد كابل ناقل للكهرباء، يحقق خسائر ضخمة للاقتصاد المصري.
حيث لا توجد أي مبررات اقتصادية لهذا المشروع الذي يعتمد على تمديد كابلات كهرباء من مصر إلى قبرص ومن ثم إلى اليونان، مما يؤدي إلى تكبد مصر خسائر فادحة، حيث تعاد بيع الكهرباء إلى دول أوروبا عبر هذه الشبكة.
تم توقيع اتفاقية تعاون بهذا الشأن في فبراير 2017 بين شركة “يورو أفريكا إنتركونيكتور” وشركة الكهرباء المصرية. وقد تم الاتفاق على أن يتم بيع الكهرباء بسعر منخفض للشركة الأوروبية باعتبارها شريكًا في إنتاج الكهرباء.
لكن ما يثير التساؤلات هو أن الكهرباء المنتجة في مصر ستكون من حرق الغاز، وهو أمر يتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة حيث أن تكلفة الإنتاج من الغاز هي أعلى بكثير من مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية.
الجانب الأكثر إثارة للدهشة في هذا المشروع هو عدم وجود دراسة جدوى كافية من طرف الخبراء المصريين، حيث يبدو أن هناك توجيهًا متعمدًا لإخفاء التفاصيل المهمة عن المسؤولين في الحكومة المصرية.
كما أن المشروع يقدم على أنه مشروع مشترك في حين أنه يساهم بشكل رئيسي في خدمة مصالح الدول الأوروبية، ويحقق أرباحًا ضخمة لشركات أجنبية على حساب الشعب المصري.
تكاليف مشروع “كوبيلوزيس”: أرقام مذهلة تتناقض مع الواقع
من خلال المقارنة بين تكاليف هذا المشروع والمشروعات المماثلة على مستوى العالم، نكتشف أن هناك مبالغ ضخمة يتم دفعها دون أي مبرر.
على سبيل المثال، تعد أكبر مزرعة شمسية في العالم التي تم إنشاؤها في أستراليا بتكلفة 1.3 مليار دولار أمريكي، وتنتج 2245 ميجاوات من الكهرباء بتكلفة قدرها 3.1 سنت لكل كيلووات ساعة.
أما مشروع “كوبيلوزيس”، الذي يمتد على طول 1373 كيلومترًا، فتم تقدير تكلفته بما يصل إلى 3.5 مليار يورو، وهو مبلغ ضخم يتجاوز بكثير التكلفة الفعلية للمشروعات المماثلة عالميًا.
التخطيط المشبوه: غياب الشفافية والمساءلة
ما يزيد من تعقيد الصورة هو غياب الشفافية في تخطيط وتنفيذ هذا المشروع. لم يتم طرح المشروع في مناقصات دولية، ولم تتم دراسته من قبل جهة استشارية محايدة ومستقلة، مما يفتح الباب أمام احتمالات الفساد والتلاعب.
وهذه الممارسات، التي تقوض مبدأ الشفافية، تجعل من الصعب محاسبة المسؤولين أو حتى تقييم الفوائد الحقيقية لمصر من هذا المشروع.
وعلى الرغم من أن مصر يمكنها إنتاج الكهرباء بشكل مستقل وإنشاء محطات طاقة شمسية ضخمة، إلا أن الأوضاع الحالية تجعلنا نشك في رغبة بعض الأطراف في تحسين هذا القطاع الحيوي. في ظل غياب الرقابة الفعالة، يتم تحميل الشعب المصري تكاليف لا طائل منها.
الفساد المستشري في قطاعات الكهرباء: الآثار الاقتصادية المدمرة
إلى جانب هذه الفضائح، يعاني قطاع الكهرباء في مصر من مشاكل هيكلية شديدة بسبب الفساد المستشري داخل القطاع.
فقد شهدت شركات توزيع الكهرباء تسع مشكلات كبيرة بسبب التقصير والإهمال في مواجهة السرقات وانخفاض نسبة التحصيل، مما أسهم في زيادة الفقد. هذا الوضع الذي يعاني منه القطاع الحيوي يتطلب إعادة هيكلة شاملة للقطاع على كافة المستويات.
في هذا السياق، يرى العديد من الخبراء أن الفساد في هذا القطاع يتسبب في تكاليف باهظة للاقتصاد المصري ويؤثر سلبًا على قدرة الدولة على تحقيق التنمية المستدامة. فالفساد يقلل من الحوافز للاستثمار ويزيد من تكلفة المشاريع، ويعزز من انعدام الثقة بين المواطنين والمسؤولين.
إصلاح القطاع: ضرورة محاربة الفساد
من أجل وقف هذا النزيف المالي الذي يتعرض له قطاع الكهرباء في مصر، يجب اتخاذ إجراءات فورية لإصلاح النظام الرقابي وإعادة الهيكلة في جميع القطاعات.
يجب على الحكومة المصرية تبني سياسة مكافحة الفساد بشكل حقيقي، تتضمن محاسبة المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية بشكل فعال.
علاوة على ذلك، يجب أن يتم تطبيق الشفافية في جميع المشروعات المستقبلية من خلال طرحها في مناقصات دولية ودراسة الجوانب الاقتصادية بشكل دقيق.
ضرورة محاسبة الفاسدين وتفعيل دور الرقابة
إن الفساد الذي يعصف بقطاع الكهرباء في مصر يشكل تهديدًا كبيرًا للاقتصاد الوطني ويضر بمستقبل البلاد. على الرغم من أن التقارير الدولية والتحقيقات تكشف عن الأرقام والحقائق التي تفضح هذه الممارسات، إلا أن غياب المحاسبة يظل مستمرًا.
من الضروري أن يتبنى المسؤولون نهجًا حازمًا لمكافحة الفساد، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية لضمان الشفافية والمساءلة.
وإن إصلاح قطاع الكهرباء في مصر لا يمكن أن يتم دون محاسبة الفاسدين، وإنقاذ الاقتصاد المصري من تداعيات هذه الفضيحة المستمرة.