تقاريرحقوق وحرياتمصر

حكومة مصر تواصل القمع والتعذيب والموت داخل السجون

في جريمة جديدة تضاف إلى سجل الحكومة المصرية الحافل بالانتهاكات بحق المواطنين المعتقلين، توفي المعتقل فضل سليم محمود، الذي يبلغ من العمر 64 عامًا، داخل سجن المنيا العمومي نتيجة لجلطة دماغية أفقدته الذاكرة وتدهورت حالته الصحية بشكل سريع.

هذه الحادثة المأساوية ما هي إلا صورة من صور التقاعس الحكومي والإهمال الطبي المتعمد الذي يعاني منه المعتقلون السياسيون في السجون المصرية.

فضل سليم ليس سوى ضحية جديدة لسياسات النظام المصري الذي يتعامل مع المعتقلين كأرقام في سجلاته، غير مبالٍ بصحتهم أو حياتهم.

فضل سليم محمود، الذي كان يشغل منصب وكيل معهد ديني أزهري في دير مواس التابعة لمحافظة المنيا، كان قد صدرت ضده حكم غيابي بالسجن عقب أحداث رابعة العدوية في عام 2013، وهو ما دفعه للانتقال من مكان إلى آخر خوفًا من الاعتقال.

ظل خارج محافظة المنيا حتى عام 2021، حيث قرر تسليم نفسه للسلطات بعد أن اعتقلت قوات الأمن ابنه للضغط عليه، وهو ما أدى إلى أن يدخل إلى قسم شرطة دير مواس سالمًا، ليخرج منه مشلولًا بعد تعرضه للتعذيب الوحشي.

وبعد تعرضه لهذا التعذيب القاسي، تم نقله إلى سجن المنيا، حيث تفاقمت حالته الصحية بشكل كبير. فقد تعرض لجلطة دماغية أفقدته القدرة على تذكر الأشياء، ما جعله طريح الفراش طوال فترة اعتقاله دون أي رعاية طبية حقيقية.

هذا النوع من الإهمال الطبي والتعذيب المتعمد يثبت مرة أخرى حجم التقاعس الحكومي في التعامل مع المعتقلين الذين يُحرمون من أدنى الحقوق التي كفلها لهم القانون الدولي.

هذه الحادثة تؤكد ما تعانيه السجون المصرية من ظروف سيئة وتجاهل متعمد لحياة المعتقلين. النظام المصري يصر على استخدام السجون كأداة للقمع والانتقام من كل من يعارضه، دون أدنى اعتبار للحقوق الإنسانية أو للمبادئ الأساسية التي تنادي بها المنظمات الحقوقية الدولية.

فضل سليم محمود لم يكن الوحيد الذي تعرض لهذه المعاملة القاسية، بل هو جزء من دائرة واسعة من المعتقلين الذين يعانون من التعذيب، الإهمال الطبي، وعدم توفر الرعاية الصحية، بل قد يلقون حتفهم في ظروف مروعة مثل ما حدث له.

من جهته، أشار الصحفي المتخصص في الشأن الحقوقي مسعد البربري إلى أن السلطات المصرية تتبع سياسة الضغط على العائلات عبر اعتقال أبنائهم أو أفراد من أسرهم للقبض على المعارضين.

هذه السياسة القمعية هي جزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى إخضاع كل من يعارض النظام وإسكاته بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك عبر التعذيب أو القتل البطيء داخل السجون. وفاة فضل سليم محمود، مثل غيره من المعتقلين، هي رسالة واضحة على أن حياة المواطن المصري في نظر الحكومة ليست ذات قيمة، وأن الدولة تواصل سياساتها في إهدار الحقوق وفرض الاستبداد.

تعتبر حادثة وفاة فضل سليم محمود جرس إنذار للمجتمع الدولي الذي يتابع عن كثب ما يحدث في السجون المصرية. وعلى الرغم من الإدانات المتواصلة من المنظمات الحقوقية الدولية، فإن الحكومة المصرية تواصل تجاهل هذه المطالبات وترفض محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.

هذا التواطؤ الدولي أو الصمت عن الانتهاكات لا يعفي الحكومة المصرية من المسؤولية، بل يعزز من شعور النظام بأن بإمكانه الاستمرار في سياسة القمع دون خوف من أي ردة فعل فعلية.

لقد كشف التقرير الذي تناول حالة فضل سليم محمود عن فشل الحكومة المصرية في ضمان حقوق المعتقلين في السجون. فضل سليم لم يكن الشخص الوحيد الذي نُكِّل به، بل هناك العديد من الحالات التي لم تحظَ بالتغطية الإعلامية التي تستحقها، حيث يعاني المعتقلون من ظروف صحية ونفسية صعبة نتيجة للمعاملة القاسية داخل السجون. إن الوضع في السجون المصرية يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، وتستمر السلطات في إغلاق أعينها عن هذه الانتهاكات الممنهجة.

لقد أثبتت هذه الحادثة أن السلطات المصرية تسعى بكل السبل إلى إبقاء المعتقلين في حالة ضعف وعجز، ما يعزز من استبدادها ويجعلها أكثر إصرارًا على قمع كل من يعارضها. فضل سليم محمود وغيره من المعتقلين هو ضحية سياسة القمع والفساد الذي يعيشه النظام في مصر. وهذه المأساة ما هي إلا جزء من ممارسات قمعية شاملة لا تقتصر على تعذيب المعتقلين، بل تمتد لتشمل الفساد داخل المؤسسات الحكومية التي تستغل الوضع بشكل غير قانوني.

لقد أظهرت الحادثة أيضًا الفساد المستشري في السجون المصرية، حيث لا تقتصر الانتهاكات على التعذيب الجسدي فقط، بل يشمل أيضًا عمليات استغلال المرضى والمعتقلين للحصول على رشوة مقابل الحصول على العلاج أو حتى الرعاية الصحية الأساسية. هذا الفساد في السجون يعكس الفشل الذريع للنظام في إدارة المؤسسات الحيوية التي من المفترض أن توفر الحماية والعدالة للمواطنين.

إن ما حدث لفضل سليم محمود يجب أن يكون حافزًا للمجتمع الدولي للضغط على الحكومة المصرية من أجل محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات. كما أن هذا الحادث يسلط الضوء على ضرورة إعادة النظر في سياسة مصر في التعامل مع المعتقلين، حيث يجب أن تكون هناك إجراءات قانونية حقيقية لضمان حقوقهم وإلغاء كافة أساليب التعذيب والإهانة التي تمارسها السلطات.

إن الحقيقة واضحة: مصر تحتاج إلى إصلاحات جذرية في سياساتها تجاه حقوق الإنسان والمعتقلين. لكن لا يمكن انتظار أي تحرك حقيقي من الحكومة المصرية، خاصة في ظل الوضع السياسي الحالي الذي يعزز من الاستبداد والتعذيب. لذلك، يبقى الضغط الدولي والمراقبة المستمرة هما السبيل الوحيد لإنهاء هذه المأساة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى