تعيش مصر اليوم أزمة حقيقية في قطاع الكهرباء، أزمة أصبحت تهدد استقرار هذا القطاع الحيوي وتهدد معه مصالح المواطنين.
الأوضاع في شركات توزيع الكهرباء التسع، التي تمثل العمود الفقري لقطاع الكهرباء، وصلت إلى مرحلة لم يعد بالإمكان السكوت عنها،
حيث أصبحت هذه الشركات مهددة بالانهيار بسبب تقاعس شديد من الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء والحكومة المصرية بشكل عام.
الوضع الحالي يعكس مستوى غير مسبوق من الفساد الإداري والاستهتار بمصالح الشعب، فماذا يحدث بالفعل في هذا القطاع؟ ومن المسؤول عن هذا التدهور؟ الإجابة تكمن في غياب المحاسبة والفساد المستشري داخل هذه المؤسسات.
على رأس هذه الأزمة يأتي المهندس جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، الذي يتعامل مع القضايا المتراكمة في القطاع وكأنها لا تعنيه.
دسوقي، ومعه مستشاره القانوني، يبدو أنهما مشغولان فقط بتأمين منصبيهما عبر تقارير ولجان متابعة هدفها إبعاد الشبهات عنهما وحماية مصالحهما الشخصية، وهو ما يتضح جلياً من خلال مواقفهم المتواصلة في الحفاظ على الوضع الراهن رغم الأزمات المتزايدة.
ولا يختلف حال المسؤولين في وزارة الكهرباء أو الحكومة بشكل عام، التي تكتفي بمراقبة التدهور الحاصل دون أي تحرك حقيقي لإصلاح القطاع.
أما عن الفساد الذي يضرب أطنابه في الشركة القابضة لكهرباء مصر، فحدث ولا حرج. المسؤولون في الشركة يستمرون في استلام رواتب ضخمة وعلاوات ومزايا مالية، في الوقت الذي يعاني فيه المواطن المصري من زيادات مستمرة في أسعار الفواتير، ومن انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي.
ما يزيد الطين بلة هو التكدس في عدد المستشارين في الشركة، وهم في الغالب من الأشخاص المسنين الذين لا يقدمون أي قيمة مضافة إلا أنهم يتقاضون رواتب ضخمة من أموال الشعب.
هؤلاء المستشارون، الذين يعتبرون جزءاً من شبكة فساد كبيرة، ليس لهم أي دور حقيقي سوى استلام الأموال والتمتع بالمزايا.
أما عن القرار الأخير الذي أصدره المهندس جابر دسوقي، والمتعلق بإعفاء مراكز الشباب والأندية الرياضية من 75% من قيمة فواتير الكهرباء، فقد كان قراراً غير مدروس ويستحق المراجعة العاجلة.
فبينما من الممكن أن يكون لهذا القرار بعض المبررات لمراكز الشباب الصغيرة، إلا أنه يضع الأندية الكبيرة مثل الأهلي والزمالك وسموحة في نفس الخانة، وهي أندية تتمتع بموارد مالية ضخمة وتستطيع دفع فواتير الكهرباء كاملة دون الحاجة لأي إعفاءات.
هذا القرار يساهم في نشر الفساد ويزيد من عجز الوزارة عن محاسبة الكيانات الكبيرة التي تستغل قرارات الحكومة لمصلحتها الخاصة.
وفيما يتعلق بملف العدادات الكودية، الذي يمثل أحد أبرز أوجه الفساد في قطاع الكهرباء، فقد كشفت هيئة الرقابة الإدارية مؤخراً عن فساد واسع النطاق في هذا الملف داخل شركة كهرباء جنوب القاهرة. حيث تم توريد 205 آلاف عداد معيب إلى الشركة، وهو ما يكلف خزينة الدولة نحو 40 مليون جنيه.
وفي الوقت الذي كان يجب فيه تركيب هذه العدادات لمواطنين يعانون من مشاكل في فواتير الكهرباء، تم إخفاؤها في المخازن، ليتم بيعها أو التلاعب بها لاحقاً، ما يعكس فساداً مستشرياً داخل كل مستويات العمل في هذه الشركات.
وفي محاولة للتغطية على الفساد، يتم الآن استبدال العدادات المعيبة التي تم تركيبها للمواطنين، وتحميلهم تكاليف العدادات الجديدة، ما يجعل المواطن هو الضحية الوحيدة لهذه المهزلة.
ورغم تعهد وزارة الكهرباء في وقت سابق بتركيب 2.3 مليون عداد كودي من إجمالي 3.1 مليون طلب، فإن هذا التعداد يعكس ببساطة حجم الفساد داخل القطاع، حيث يتم تركيب عدادات معيبة غير صالحة للاستخدام، ما يؤدي إلى زيادة نسبة الفقد الفني والتجاري، وهو ما يزيد من تكاليف الكهرباء على المواطن دون أن يستفيد من الخدمة بشكل جيد.
بل إن المسؤولين في القطاع يتسترون على هذه العيوب بشكل مستمر، لتجنب المساءلة القانونية، وهو ما يؤدي إلى تدهور الوضع أكثر وأكثر.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل هناك أمل في إصلاح هذا القطاع؟ وهل ستتحرك الحكومة لإجراء التغييرات الجذرية اللازمة في الشركة القابضة لكهرباء مصر والشركات التابعة لها؟ الإجابة واضحة.
إذا كانت الحكومة جادة في إصلاح هذا القطاع، فلا بد من القيام بثورة تصحيح شاملة تبدأ من أعلى مستويات القيادة، من المهندس جابر دسوقي ونوابه، وصولاً إلى أصغر المديرين العاملين في هذه الشركات. لا بد من تغيير شامل، ليس فقط في الأشخاص ولكن في سياسات العمل والنظام الإداري في هذه الشركات.
ومن هنا يجب أن تبدأ هيئة الرقابة الإدارية في فتح ملفات الفساد في باقي شركات توزيع الكهرباء التسع، بدلاً من الاكتفاء بالتحقيقات التي جرت في شركة كهرباء جنوب القاهرة فقط.
فهناك فساد أكبر لم يُكشف بعد في باقي الشركات، والمواطن المصري هو الذي يدفع ثمن هذا الفساد من خلال فاتورة الكهرباء المرتفعة وانقطاعات التيار المستمرة.
ويتطلب الوضع الحالي في قطاع الكهرباء تدخلًا عاجلاً من الدولة لتطهير هذا القطاع من الفساد والمفسدين، ولتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين.
كما يجب على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها وتبدأ في محاسبة المسؤولين عن هذه الأزمات، وعدم السماح لهم بالاستمرار في مناصبهم بعد أن ثبت فشلهم الذريع في إدارة هذا القطاع الحيوي.